(وآل إبراهيم وآل عمران)، بمعنى: أنفسهما، ولا شك أنه لا يفهم من الآية أن هذا الاصطفاء لكل من انحدر من ذرية هؤلاء الأنبياء عليهم السلام، وإنما المقصود الثناء على المؤمنين منهم والصالحين، ولا يدخل في هذا الثناء من كفر بالله تبارك وتعالى من ذرية إبراهيم وعمران.
وآل إبراهيم: هم عشيرته وذوو قرباه، وهم: إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما، ولا شك أن من جملتهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يدخل في الاصطفاء بطريق الأولى، وعدم التصريح به اختلف فيه المفسرون؛ ولم يصرح الله تبارك وتعالى هنا بأفضلية محمد صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء المذكورين عليهم السلام؛ للإيذان باستغنائه صلى الله عليه وسلم عن أن يذكر في هذا السياق؛ ولكمال شهرة أمره في الخلة، فإن الله سبحانه وتعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولشهرة مقامه الشريف حتى على لسان من سبقه من الأنبياء، فإنه كما قال عليه الصلاة والسلام عن نفسه:(أنا دعوة أبي إبراهيم)، والمقصود دعوته التي سبق الكلام عليها في سورة البقرة:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ}[البقرة:١٢٩] إلى آخر الآية، فلشدة شهرته بأنه أفضل خلق الله سبحانه وتعالى أجمعين، أو أفضل بني آدم على الإطلاق لم يحتج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يذكر هنا في هذا السياق.
أو لم يذكر؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم جاوز مرتبة الاصطفاء، وارتفع على جميع الأنبياء والمرسلين، فالرسل عليهم الصلاة والسلام خلقوا للرحمة، أما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد خلق بنفسه رحمة ولم يخلق للرحمة، كما قال تبارك وتعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:١٠٧]، وكما جاء في بعض الأحاديث قال صلى الله عليه وسلم:(أنا رحمة مهداة)، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى أماناً للخلق مؤمنهم وكافرهم؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما بعثه الله أمنت البشرية كلها من العذاب الذي يستأصل هذه البشرية، فلن يهلك الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بسنة عامة، أو بعذاب عام يستأصلهم كما حصل للأمم الكافرة من قبلهم.
إذاً: هو داخل في هذا الاصطفاء بطريق الأولوية، وإنما استغني عن ذكره؛ لأن رتبته أعلى من مجرد الاصطفاء المذكور هنا.
((وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ)) اصطفى آل عمران؛ لأنه جعل فيهم عيسى عليه السلام؛ لأن من آل عمران عليه السلام عيسى، وعمران هنا هو والد مريم التي هي أم عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
((عَلَى الْعَالَمِينَ)) أي: عالمي زمانهم، أما الذي فضل على العالمين بإطلاق فهو نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله (عَلَى الْعَالَمِينَ) أي: بجعل الأنبياء من نسل هؤلاء المذكورين، ويستدل بهذه الآية على تفضيل الأنبياء على الملائكة لدخولهم في العالمين؛ لأن العالم يشمل الأنبياء ويشمل الملائكة، فهذه الآية مما يحتج به لمذهب من فضل الأنبياء عليهم السلام على الملائكة.