[أقوال العلماء في الفرق بين الرجاء وحسن الظن وبين الغرور]
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في الجواب الكافي: فليحذر مغالطة نفسه على هذه الأسباب، وهذا من أهم الأمور؛ فإن العبد يعرف أن المعصية والغفلة من الأسباب المضرة له في دنياه وأخراه ولابد، ولكن تغالطه نفسه.
ثم يقول: ومنهم من يغتر بفهم فاسد فهمه هو وأضرابه من نصوص القرآن والسنة فاتكلوا عليه.
ثم قال: وكاغترار بعض الجهال بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} فيقول: كرمه، وقد يقول بعضهم: إنه لقن المغتر حجته.
وللأسف أن هذا مذكور في بعض كتب التفاسير.
قال: كأنه إذا قيل لك: ما غرك بربك الكريم فقل له: كرمك أو لأنك كريم، وهذا جهل قبيح وإنما غره بربه الغرور: {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} وهو الشيطان، ونفسه الأمارة بالسوء، وجهله وهواه، وأتى سبحانه بلفظ (الكريم) وهو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الاغترار به، ولا إهمال حقه، فوضع هذا المغتر الغرور في غير موضعه، واغتر بمن لا ينبغي الاغترار به.
يقول الغزالي رحمه الله تعالى: وفي مثل هذا الغرور يجب على العبد أن يستعمل الخوف، فيخوف نفسه بغضب الله وعظيم عقابه.
ويقول: مع أنه: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:٣] ومع أنه كريم فقد خلد الكفار في النار أبد الآباد، مع أنه لم يضره كفرهم، بل سلط العذاب والمحن والأمراض والعلل والفقر والجوع على جملة من عباده في الدنيا، وهو قادر على إزالتها.
وهو سبحانه قد خوفك عقابه فكيف لا تخافه؟! وكيف تغتر به؟! فالتعلق بكرم الله عز وجل بهذا المعنى ليس في الحقيقة رجاء، وإنما هو اغترار وحمق، فالخوف والرجاء يبعثان الناس على العمل، فما لا يبعث على العمل تزيين وغرور.
ورجاء كافة الخلق هو بسبب قصورهم وبسبب إقبالهم على الدنيا، وبسبب إعراضهم عن الله تعالى، وإهمالهم السعي للآخرة فذلك غرور.
وقد روي: أن الغرور يغلب على قلوب آخر هذه الأمة.
وقد كان ذلك، فقد كان الناس في الأعصار الأول يواظبون على العبادات، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون، يخافون على أنفسهم، ويقضون الليل والنهار في طاعة الله، يداومون على التقوى والحذر من الشبهات والشهوات، وأما الآن فترى الخلق آمنين مسرورين مطمئنين غير خائفين، مع إكبابهم على المعاصي وانغماسهم في الدنيا، وإعراضهم عن الله تعالى، زاعمين أنهم واثقون بكرم الله تعالى وفضله، راجون لعفوه ومغفرته، كأنهم عرفوا من فضله وكرمه ما لم يعرفه الأنبياء والصحابة والسلف الصالحون.
فالأنبياء والصالحون يعرفون أن الله كريم ولم يفعلوا ما تفعلون، فإذا كان هذا الأمر يدرك بالمنى وينال بالهوينى، فعلى ماذا كان بكاء أولئك وخوفهم.
قال الغزالي: والقرآن من أوله إلى آخره تحذير وتخويف لا يتفكر فيه متفكر إلا ويطول حزنه ويعظم خوفه إن كان مؤمناً بما فيه، وترى الناس يهذونه هذاً -يعني: يقرءونه قراءة سريعة لا تدبر فيها- يخرجون الحروف من مخارجها، ويتناظرون على خفضها ورفعها ونصبها وكأنهم يقرءون شعراً من أشعار العرب، لا يهمهم الالتفات إلى معانيه والعمل بما فيه، وهل هناك غرور أكثر من هذا؟!