[تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا أشياعكم وكل صغير وكبير مستطر)]
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ * وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} [القمر:٥١ - ٥٣].
((وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ)) يعني: أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السابقة، فأصل معنى (الأشياع) جمع شيعة، وهم من يتقوى بهم المرء من الأتباع.
ولما كانوا في الغالب من جنس واحد أريد به ما ذُكر إما باستعماله في لازمه أو بطريق الاستعارة.
((فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)): هل من متعظ بذلك ينزجر به؟ {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} ضمير الفاعل في قوله (فعلوه) تعود إلى الأمم السابقة، أي: فعله هؤلاء الأشياع، {فِي الزُّبُرِ}، أي: في الكتب.
والكتب إما أن يقصد بها اللوح المحفوظ، أو التي أحصتها الحفظة عليهم.
((وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ)) من الأعمال المتقدمة ((مُسْتَطَرٌ))، مكتوب مسطور لا يمحى ولا يُنسى، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً} [الكهف:٤٩].
وقال عز وجل: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً} [الإسراء:١٣ - ١٤].
وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالباً).
فمعنى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} أن كل ما يفعله الإنسان مدون عليه مسئول عنه، فلا ينبغي للإنسان أن يستهين بالصغائر أو يحتقرها؛ لأنها كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل محقرات الأعمال كمثل قوم كانوا بفلاة، فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بعود.
وقيل: يجيء ببعرة، حتى أوقدوا ناراً عظيمة وأنضجوا بها هذا الطعام)، فالبعرة أو العود الصغير هو شيء صغير في نفسه؛ لكن عندما ينضم شيء صغير إلى شيء صغير يصير كبيراً مهلكاً، كما قال بعض العلماء: لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار والله أعلم.