[تفسير قوله تعالى: (الم.]
الله لا إله إلا هو الحي القيوم والله عزيز ذو انتقام)
{الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ * مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران:١ - ٤].
قال تعالى: ((ألم)) الله أعلم بمراده بذلك، حيث إن هذا من المتشابه.
((اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)) سبق تفسيره في سورة البقرة في آية الكرسي.
(نزل عليك) يعني: يا محمد.
(الكتاب) أي: القرآن.
(بالحق) أي: متلبساً بالحق أي: بالصدق في أخباره.
(مصدقاً لما بين يديه) يعني: مصدقاً بما قبله من الكتب.
(وأنزل التوراة والإنجيل) والتوراة بالعبرانية معناها: الشريعة، والإنجيل معناه: البشارة، وأصل الإنجيل بشارة؛ لأن أحد مقاصد بعثة عيسى عليه السلام الأساسية هي ما عبر عنه في قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:٦]، ولذلك تأتي في نصوص الإنجيل -حتى بعد تحريفها- كثير من النصوص التي تدل على أن هذا كان هدفاً ومقصداً أساسياً لبعثة عيسى عليه السلام.
وهناك رجل من كبار أحبار الكلدانيين وهو داود الأشوري وكان من الأحبار، وقد أسلم وأنار الله قلبه بالإسلام فكتب كتباً قيمة، هي في الحقيقة من أرقى الكتب في هذا الموضوع، وأفرد بعض الفصول لهذه المسألة، وقد ناقش أن كلمة الإنجيل تعني البشارة، وقال: إن العبارة المشهورة عند النصارى عبارة محرفة وهي قولهم: المجد لله في الأعالي، وفي الناس المسرة، وعلى الأرض السلام، قال: إن حقيقة هذه الكلمة هي: المجد لله في الأعالي وفي الناس أحمد، وعلى الأرض إسلام.
وأتى بالنقول التي تدل على هذا.
فإذاً حتى كلمة الإنجيل تعني باللغة العبرية الأصلية: البشارة، والبشارة هي التبشير ببعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(وأنزل التوراة والإنجيل من قبل) يعني: من قبل تنزيل القرآن.
(هدىً للناس) هذا حال بمعنى: هاديين من الضلالة.
وقوله: (للناس) يعني: لمن تبعهما، وعبر هنا في (التوراة والإنجيل بـ (أنزل)، لكن في القرآن قال: (نزل عليك الكتاب بالحق) لأن القرآن لم ينزل دفعة واحدة، فكلمة (نزل) تقتضي التكرار، لأن القرآن نزل مفرقاً بحسب المناسبات والنوازل.
أما التوراة والإنجيل فقد أنزل كل منهما دفعة واحدة.
وقوله: (وأنزل الفرقان) بمعنى: الكتب الفارقة بين الحق والباطل، وذكره بعد ذكر هذه الثلاثة من الكتب ليعم كل ما عداها، فيعم أيضاً صحف إبراهيم عليه السلام، وكل كتاب أنزله الله على نبي.
ثم قال تعالى: (إن الذين كفروا بآيات الله) أي: بالقرآن وغيره، (لهم عذاب شديد).
(والله عزيز) أي: غالب على أمره، فلا يمنعه شيء من إنجاز وعده ووعيده.
(ذو انتقام) يعني: ذو عقوبة شديدة لمن عصاه لا يقدر على مثلها أحد، وليس من أسماء الله الحسنى المنتقم، لكن قال سبحانه: (والله عزيز ذو انتقام).