قوله تعالى:((الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)) هذه الصفة للفريقين: للمنافقين والمنافقات، وللمشركين والمشركات، فمن صفات أهل النفاق وأهل الشرك أنهم يظنون بالله ظن السوء، وإذا كانت هذه الصفة من خصائص المنافقين والمشركين فالواجب على أهل الإيمان أن يتنزهوا عن هذا الخلق وعن هذا الوصف.
يقول شيخ المفسرين رحمه الله:((الظانين بالله)) أن لن ينصرك وأهل الإيمان بك على أعدائك، ولن يظهر كلمته فيجعلها العليا على كلمة الكافرين بك؛ وذلك كان السوء من ظنونهم التي ذكرها الله في هذا الموضع.
فظن السوء: أن الإسلام يظل دائماً في اندحار، ولن ترتفع كلمة الله سبحانه وتعالى على كلمة الكفر، يقول الله تبارك وتعالى أيضاً في نفس هذا المعنى:{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ}[الحج:١٥] في سورة الحج (مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ) الضمير هنا يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنه لم يسبق له ذكر في السياق، لكن هذا مفهوم، من كان يظن بالله أنه لن ينصر عبده ونبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ماذا يعمل؟ يموت نفسه؛ لأنه لن يضر إلا نفسه، فالله معز دينه، وناصر نبيه صلى الله عليه وسلم، فالذي يظن فعلاً هذا الظن السيئ بالله ليس له إلا أن يكيد نفسه، فإن هذا الظن لن يضر الله ورسوله شيئاً، فإن كلمة الله غالبة، فمعنى الآية: من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء، يدله على طريقة من طرق الانتحار، يربط حبلاً في سقف البيت أو الحجرة، ويقف على شيء مرتفع، ويربط الحبل على رقبته، ومن ثم يزيحه برجليه ويخنق نفسه، هذا هو معنى الآية، ((ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)) هل هذا الكيد يذهب عنه الذي يغيظه من نصرة الله لنبيه عليه السلام؟! لن يكيد إلا نفسه، فهذا معنى الآية.
وقال ابن كثير في قوله تعالى:((الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)) أي: يتهمون الله في حكمه، ويظنون بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية، ولهذا قال:((عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)) قوله: ((وَلَعَنَهُمْ)) يعني: أبعدهم من رحمته.
وقال القاسمي:((الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)) أي: ظن الأمر السوء، وهو أن لن ينصر الله تعالى رسوله والمؤمنين.
وقال القرطبي: يعني: ظنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يرجع إلى المدينة، ولا أحد من أصحابه حين خرج إلى الحديبية، وأن المشركين يستأصلونهم كما قال:{بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا}[الفتح:١٢].
وقال الشوكاني: ثم وصف الفريقين أي: المنافقين والمشركين، فقال:((الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ)) ومما ظنوه ما حكاه الله عنهم بقوله: ((بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا)).