الغماري صوفي، وعليه ملاحظات شديدة ليست هينة، وعنده بدع غليظة، وهو ليس سلفياً، بل يحارب السلفية -سامحه الله وعفا عنه-، لكن مع ذلك لما ذكر نبذة عن التفاسير المشهورة المطبوعة ومنها تفسير القاسمي ذكر تعليقاً مهما جداً، فقال: إن الشخص الذي قام على أول طبعة لمحاسن التأويل للقاسمي كان شخصاً مخبولاً أو في عقله شيء! هكذا وصفه، ودلل على ذلك بأنه أتى إلى بعض المواضع التي لم تعجبه من كلام القاسمي فضرب عنها صفحاً وأضاف إليها كلاماً من عنده، وعلل ذلك بأن القاسمي إمام محقق لا يليق به أن يوجد هذا الكلام في كتابه، فحصل منه تحريف في الكتاب، وحرف بعض المواضع على خلاف ما ذكره القرطبي نفسه في المخطوطة الأصلية، وعلل استحلاله لهذا التحريف أن ابن القاسمي فوضه بأن يعدل ما يراه مناسباً، وقال له: إذا وجدت شيئاً لا يليق بمقام الوالد فلك أن تغيره! فنخشى أشد الخشية مما نالته يد هذا المعتدي؛ لأنا نجد القاسمي نفسه السلفي واضح جداً، وإذا قرأتم مقدمة هذا التفسير التي طبعت في الجزء الأول منه والتي سماها: تمهيد خطير في قواعد التفسير، نجد أن القاسمي ينتصر لمنهج السلف بكل وضوح، ولا يسلك أبداً مسلك الذي يمسك العصا من النصف؛ لكنه دائماً في قضايا العقيدة السلفية من الناس الواضحين جداً في هذا الباب، فيصعب جداً أن يكون كلام القاسمي الأصلي لهذه الآية التي ليس فيها إلا حكاية قولين، أنه اعتمد أن الكرسي هو العلم، وقول آخر أشار إليه عرضاً وهو: أن الكرسي هو العرش، ويبعد جداً أن القاسمي لا يذكر هذا وهو رجل مطلع على السنة، ومطلع على الأحاديث، وتغيب عنه الآثار التي دلت على أن الكرسي غير العرش وغير العلم.
ويوجد هنا تعليق سأقرؤه عليكم لكي تعلموا أن هذا هو فعلاً الذي كان يليق بـ القاسمي، فالله أعلم من المسئول عن ترحيل هذا الجزء من أعلى إلى أسفل، من المتن إلى الحاشية، يقول المعلق: كان المؤلف رضي الله عنه فسر الكرسي بما يأتي: الكُرسي: -بالضم وبالكسر- السرير والعلم، كما في القاموس، قال الأزهري: والصحيح عن ابن عباس ما رواه عمار الدهني عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: الكرسي موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره، وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها، قال: ومن روى عنه في الكرسي أنه العلم فقد أبطل، وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الكرسي الذي يوضع تحت العرش إلى داخله، وبالفتح الكرسي هنا الظاهر أنه الجسم الذي وردت الآثار بصفته، يقول: ثم إن المؤلف عدل عن ذلك إلى ما تراه.
أي الكلام الأول: بأن الكرسي هو العلم، وأتى بمقولة: التراث والعلماء سلاطين الأرض إلى غير ذلك، والله أعلم من الذي عدل في الحقيقة؛ لكن أنا أحببت أن أنوه إلى هذا الأمر لئلا تغتروا بمثل هذا التأويل.