قوله:((قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ)) يعني: قد يئسوا من جزاء الآخرة؛ لأنهم كذبوا بها، ولذلك طغوا وبغوا وعاثوا، فإذا قلنا: إن الذين غضب الله عليهم هم اليهود، فاليهود قد يئسوا من الآخرة؛ لأنهم بتكذيبهم للنبي محمد عليه الصلاة والسلام قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة خير؛ ولذلك طغوا وبغوا وعاثوا.
وقوله:((غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)) صفة لـ (قوماً) في محل نصب، وقوله:((قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ)) صفة ثانية.
وقيل:((قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ)) يعني: من جزاء الآخرة، ((كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)) أي: كما يئس سلفهم من إخوانهم الكفار المقبورين، يعني: أنهم على شاكلة من قبلهم، وكل مؤاخذ بكفره.
وقيل المعنى: كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا، وقيل: كلاهما ييئس من جزاء الآخرة.
وقيل: إن كلمة (يئس) مرتبطة بحرف (من)، أي: أن الكفار الأحياء يئسوا من أصحاب القبور؛ لأنهم هم الذين يقولون:{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية:٢٤] فلا آخرة ولا بعث ولا نشور بزعمهم.
وعلى القول بأن المعنى: كما يئس الكفار أن يرجع إليهم أصحاب القبور الذين ماتوا، يكون في الآية وضع الظاهر موضع المضمر، أي: قد يئسوا من الآخرة كما يئسوا من أصحاب القبور، لكن آثر المظهر على المضمر فقال:((كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ))؛ لكي يثبت عليهم صفة الكفر، وأيضاً ليبين لهم ما هو الشيء الذي اقتضى الغضب عليهم، وهو الكفر.