يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في فوائد غزوة تبوك: ومنها: تحريق أمكنة المعصية التي يعصى الله ورسوله فيها وهدمها، كما حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وأمر بهدمه، وهو مسجد يصلى فيه ويذكر اسم الله فيه؛ لكن لما كان بناؤه ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين ومأوىً للمنافقين أمر بهدمه وتحريقه، وكل مكان هذا شأنه فواجب على الإمام تعطيله.
معنى ذلك: أن الهدم والحرق والقتل وغيرها كل هذه من اختصاص الإمام وليست إلى آحاد الرعية.
ثم يقول: فواجب على الإمام تعطيله إما بهدم أو تحريق، وإما بتغيير صورته وإخراجه عما وضع له، وإذا كان شأن مسجد الضرار فمشاهد الشرك التي تدعو سدنتها إلى اتخاذ من فيها أنداداً من دون الله أحق بذلك وأوجب، وكذلك محال المعاصي والفسوق كالحانات وبيوت الخمارين وأرباب المنكرات، وقد حرق عمر رضي الله عنه قرية بكاملها يباع فيها الخمر، وحرق حانوت رويشد الثقفي وسماه فويسقاً، وأحرق قصر سعد عليه لما احتجب عن الرعية.
كذلك من قبل عمر همّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت تاركي حضور الجمعة والجماعة، وإنما منعه من فيها من النساء والذرية الذين لا تجب عليهم كما أخبر هو عن ذلك.
ثم قال: ومنها أن الوقف لا يصح على غير بر ولا قربة، كما لم يصح وقف هذا المسجد، وعلى هذا فيهدم المسجد إذا بني على قبر، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق، فلو وضعا معاً لم يجز، ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز، ولا تصح الصلاة في هذا المسجد؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ولعنه من اتخذ القبر مسجداً أو أوقد عليه سراجاً.
ثم قال ابن القيم: فهذا دين الإسلام الذي بعث به رسوله ونبيه صلى الله عليه وسلم وغربته بين الناس كما ترى.