للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)]

قال تعالى: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:٤].

فقوله: (هو الذي بعث في الأميين) أي: العرب وبالذات قريش.

(وآخرين منهم) وهم العجم، مع أن قريشاً هي أشرف القبائل، والله شرفها من حيث النسب، وشرف من عداهم بأن ألحقهم بهم.

وقوله تعالى: (ذلك فضل الله) أي: أنه فضل من الله حيث ألحق العجم بالعرب.

(يؤتيه من يشاء) أي: من حيث نوعية الأجناس، فلا شك أن أفضل جنس هو الجنس العربي، كما ورد في الحديث: (إن الله اصطفى إبراهيم، واصطفى من ولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل، واصطفى من إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار).

فأفضل الجنس هو الجنس العربي؛ لأن الله اختصه بأن أخرج منه محمداً صلى الله عليه وسلم، فمثل هذا لا يجعلنا نعتقد الاعتقاد العنصري، فليست العبرة بمجرد هذا النسب، وإنما العبرة أساساً بالعمل الصالح والإيمان.

وإخواننا الذين في مجاهل أفريقية أو في شرق آسيا أو الهند، أو غيرها من البلاد كبلدان الجمهوريات السوفيتية السابقة إذا رأوا واحداً من العرب يقبلون رأسه ويديه ويقبلون قدمه، ويقولون له: أنت عربي من بلاد العفاف والطهر، وهذا من شدة تعظيمهم للعرب؛ لأنهم يعتبرونهم من نسل الرسول صلى الله عليه وسلم قوله: (ذلك فضل الله) قيل: الإسلام.

وقيل: الوحي والنبوة وقيل: الفضل المالي الذي يلحق بالطاعة، وهؤلاء الذين ذهبوا إلى هذا القول اعتمدوا على حديث رواه الإمام مسلم بسنده، عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة.

قال أبو هريرة: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، فقول النبي عليه الصلاة والسلام في الفصل بينهما (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، كان السبب الذي جعل بعض المفسرين يفسر الآية بأن المراد منها هو الأموال.

وقيل: (إن فضل الله) هو الانقياد التام إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم ودخولهم في دينه ونصرته.

يقول القاسمي: (ذلك فضل الله) أي: بعثته تعالى رسولاً في الأميين وفي الآخرين فضل تفضل به على من اصطفاه واختاره لذلك: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤].

والآيات هذه فيها ردٌ على من أنكر نبوته من يهود المدينة الذين استنكفوا واستكبروا وحسدوا العرب كيف يخرج منهم نبي؟! وقد كانوا يعرفون أن هناك نبياً سوف يظهر، فلما عرفوا أنه من نسل إسماعيل وليس من بني إسرائيل حسدوا المسلمين وحسدوا النبي صلى الله وسلم على ذلك، فأنكروا نبوة النبي عليه الصلاة والسلام حسداً وعناداً، مع أن لديهم من شواهد رسالته في كتبهم ما لا ترتاب أفئدتهم معه في صدق هذه النبوة، ولذلك جاء في الآية التالية مباشرة النعي عليهم لمخالفتهم موجب علمهم، فإن علمهم يوجب عليهم أن ينقادوا ويؤمنوا بالنبي عليه الصلاة والسلام، فقال تعالى: (ذلك) أي: النبوة.

(فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).