[تفسير قوله تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية فهل ترى لهم من باقية)]
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:٦ - ٨].
قال تبارك وتعالى: {وَأَمَّا عَادٌ} وهم قوم هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ} أي: شديدة العصوف والبرد؛ فالريح الصرصر هي الريح الباردة.
قال بعض المفسرين: ريح باردة تحرق ببردها كإحراق النار.
وقيل: هي من الصر، والصر: هو البرد.
وقيل: ((صرصر)) أي: شديدة الصوت.
وقيل: كثيرة السموم.
قوله: ((بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ)) يقول القاسمي رحمه الله تعالى: ((عاتية)) أي: متجاوزة الحد المعروف في الهبوب والبرودة.
وقيل: ((عاتية)) يعني: عتت على خزانها فلم تطعهم ولم يطيقوها من شدة هبوبها؛ غضباً لغضب الله تبارك وتعالى.
وقيل: ((عاتية)) أي: عتت على عاد فقهرتهم.
قوله: ((سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ)) أي: سلطها عليهم.
قوله: ((حسوماً)) أي: متتابعة لا تفتر ولا تنقطع، من قولك: حسمت الدابة إذا تابعت بين سيرها.
أو ((حسوماً)) بمعنى: قاطعات قطعت دابرهم، هذا على أن (حسوماً) جمع حاسم كشهود جمع شاهد، وقعود جمع قاعد، فكذلك حسوم جمع حاسم، فإن كان مصدراًَ فنصبه بفعل محذوف تقديره: تحسم حسوماً.
وقول آخر: إن ((حُسُوماً)) مفعول له، أي: سخرها عليهم للحسوم، أي: للاستئصال.
وقد قيل: إن تلك الأيام هي أيام العجز، والعامة تقول: العجوز، وهي التي تكون في عجز الشتاء، يعني في آخر الشتاء.
قوله: ((فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى)) أي: هلكى، جمعُ صريع.
قوله: ((كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ)) أي: ساقطة مجتثة من أصولها، كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر:٢٠].
قوله تعالى: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} أي: هل ترى لهم بقاء؟ أو من نفس باقية؟! أو هل ترى لهم من بقية؟! وهذه الآية كقوله تعالى: {فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:٢٥] يعني: المساكن التي كانوا يسكنونها، أما هم فلم يبق منهم أحد.