[تفسير قوله تعالى: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم)]
قال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:٢١].
قوله: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ)) يعني: أنهم آمنوا، ثم إن ذريتهم من بعدهم اقتفت آثارهم في الإيمان والعمل الصالح.
وقوله: ((أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)) يعني: في الجنات والنعيم.
والخطاب لما كان مع الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم واثقون بوعد الله، تمت لهم البشارة بالموعود به بأنه سوف ينال ذريتهم أيضاً، ولكن هذا بشرط أن يتبعوا آباءهم بإحسان، فإذا جاءت الذرية واتبعت الآباء بإحسان، فيكافئ الله سبحانه وتعالى هؤلاء الآباء بأن يضم إليهم ذريتهم في الجنات والنعيم، هذا هو المراد من الآية، والقاسمي رحمه الله تعالى يرجح هذا التفسير.
فقوله: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ)) يعني: بشرط أن تتبعهم ((بِإِيمَانٍ)) والجزاء هو: ((أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)).
فشرط استحقاق أن يلحق بالآباء الأبناء والذرية أن يتبعوا آباءهم بإحسان على نفس الطريقة، هذا هو المراد من الآية، وأما من قال في معناها: إن المؤمن ترفع له ذريته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل، فلا تقتضيه الآية تصريحاً ولا تلويحاً، وهذا شائع في كتب التفسير، حيث يذكر كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية: إن الذرية تلحق بالآباء ولو كانت الذرية دون الآباء في العمل، فإن من النعيم الذي ينعم الله به على الآباء أن يرفع الذرية وإن كانوا دون آبائهم في العمل إلى مقامهم؛ لأنهم يقولون: إنما كنا نعمل لأولادنا، يعني: نعمل العمل الصالح حتى تكون عاقبته في أولادنا، ويوردون في ذلك كثيراً من الآثار، وهذا المعنى إذا صح في الحديث فعلى العين والرأس، أما إن لم يصح في الحديث فلا يصح أن نفسر به هذه الآية؛ لأن الآية لا تدل على هذا المعنى الذي يذكرونه، وإنما تدل على ما ذكره القاسمي هنا: أن ذلك إنما هو بشرط أن يتبع الأبناء آباءهم بإحسان، ويتبعوهم بإحسان.
فأما قول من قال: إن المؤمن ترفع له ذريته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل! فلا تقتضيه الآية تصريحاً ولا تلويحاً.
وقوله: ((وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)) يعني: وما نقصناهم من ثواب عملهم شيئاً.
وقوله: ((كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)) أي: بما عمل من خير أو شر مرتهن به، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه، و (كل) تفيد العموم، فكل إنسان حبيس أو رهين بما عمل من خير أو شر، ولا يؤاخذ إلا بعمله، فلا يؤاخذ أحد بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه، وهذا مبدأ المسئولية الفردية، وهو من أحد الخصائص الواضحة جداً في دين الإسلام، كما قال عز وجل: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٣ - ١٥].
وقول الله تبارك وتعالى هنا: ((كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)) يؤكد هذا المعنى، فلا يؤاخذ أحد بذنب غيره.