[تفسير قوله تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه)]
قال تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:١٣١] ثم بين تعالى أنهم مع تلك المحن عليهم والشدائد لم يزدادوا إلا تمرداً وكفراً، فقابلوا عقاب الله سبحانه وتعالى بالسنين ونقص الثمرات الذي كان يرجى أن يكون من ورائه تضرع وتذلل ورقة في قلوبهم، بأن تمردوا وازدادوا عتواً وكفراً.
قوله تعالى: ((فإذا جاءتهم الحسنة)) أي: الصحة والخصب، ((قالوا لنا هذه)) أي: هذا لأننا نستحق هذه النعمة، فهي لأجلنا واستحقاقنا كما قال قارون: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨] ولم ينسب الفضل إلى الله سبحانه وتعالى، وكذلك هؤلاء إذا جاءتهم الحسنة قالوا: لنا هذه، أي: نحن نستحق هذه وهي أتت لأجلنا واستحقاقنا، ولم يروا ذلك من فضل الله عليهم فيشكروه على إنعامه.
((وإن تصبهم سيئة)) شدة ((يطيروا بموسى ومن معه)) يعني: يتشاءموا وأصله (يتطيروا) يعني: أنهم عندما تأتيهم المصيبة أو العذاب أو نقص الثمرات والجدب والقحط يقولون: هذه بشؤم موسى وهؤلاء المؤمنين معه -والعياذ بالله-.
فأبطل الله سبحانه وتعالى كلامهم بقوله عز وجل: ((أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ)) أي: شدتهم وما صار إليهم من القضاء والقدر، ((عند الله)) لا عند غيره، يعني: هذا إنما هو من قبل الله عز وجل بقضائه وقدره، ((ولكن أكثرهم لا يعلمون)) أن ما أصابهم من الله تعالى فيقولون ما يقولون مما حكى عنهم.
وقوله تعالى: (ألا إنما طائرهم عند الله) يعني: أن شؤمهم، وما قد أعد الله لهم بسوء أعمالهم هو عند الله سبحانه وتعالى، وأصل كلمة الطائر أو التطير: التفاؤل بالطير؛ لأن العرب في الجاهلية كان إذا أراد أحدهم أن يفعل شيئاً أو يمضي في سفر، فإنه كان ينفر الطير، فإن اتجه إلى اليمين سموه السانح، وإن اتجه إلى اليسار سموه البارح، فإن اتجه يميناً تيمنوا وتفاءلوا وسافروا، وهي استخارة شركية، وإذا اتجه شمالاً تشاءموا وتركوا السفر.
ثم بعد ذلك استعمل لفظ التطير في كل ما يتفاءل به ويتشاءم، ولذلك روي في الحديث -وفيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف-: (اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك).
وأيضاً قوله تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:١٣] يعني: عمله الذي صدر عنه من خير أو شر، ألزمناه إياه في عنقه.
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ)): ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن فرعون وقومه إن أصابتهم سيئة أي: قحط وجدب ونحو ذلك تطيروا بموسى وقومه، فقالوا: ما جاءنا هذا الجدب والقحط إلا من شؤمكم، وذكر مثل هذا عن بعض الكفار مع نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء:٧٨] كما تقدم في سورة النساء، وذكر نحوه أيضاً عن قوم صالح مع صالح في قوله: {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل:٤٧]، وذكر نحو ذلك أيضاً عن القرية التي جاءها المرسلون في قوله: {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس:١٨].
وبيَّن تعالى أن شؤمهم من قبل كفرهم ومعاصيهم، لا من قبل الرسل، فقال عز وجل: ((أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ))، وقال في سورة النمل في قوم صالح: {قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل:٤٧]، وقال في يس: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس:١٩].