يقول القاسمي رحمه الله تعالى: والذي يظهر لي هو ترجيح رواية تحريم الجارية في سبب نزولها، وذلك لوجوه: منها: أن مثله يبتغى به مرضاة الضرات ويهتم به لهن.
وذلك لأنه أمر حساس يثير الغيرة عند الضرائر.
ومنها: أن روايات شرب العسل لا تدل على أنه حرمه ابتغاء مرضاتهن، بل فيه أنه حلف لا يشربه أنفة من ريحه.
ثم رغب إلى عائشة ألا تحدث صاحبة العسل سواء كانت زينب أو حفصة؛ حتى لا تتأذى وتقول: إنها السبب في أنها أطعمته هذا الطعام الذي يصدر منه هذا الريح، إلا أن يكن عاتبنه في ذلك ولم يحتمل لطف مزاجه الكريم ذلك فحرمه، ولكن ليس في الروايات ما يشعر به، وما زاد على ذلك فمن اجتهاده هو.
ومنها: أن الاهتمام بإنزال سورة على حدة لتقريع أزواجه صلى الله عليه وسلم وتأديبهن في المظاهرة عليه، وإيعادهن على الإصرار على ذلك بالاستبدال بهن، وإعلامهن برفعة مقامه، وأن ظهراءه مولاه وجبريل والملائكة والمؤمنون، كل ذلك يدل على أن أمراً عظيماً دفعهن إلى تحريمه ما حرم، وما هو إلا الغيرة.
يعني: لأن تأثير الغيرة في موضوع الجارية أقوى، وأن الذي جعلهن يتظاهرن هذه المظاهرة ويخططن هذا التخطيط ليس هو موضوع العسل بل موضوع الجارية.
ثم يقول القاسمي: كل ذلك يدل على أن أمراً عظيماً دفعهن إلى تحريمه ما حرم، وما هو إلا الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية، فإن الأزواج يحرصن أشد الحرص على ما يقطع وصلة الضرة الضعيفة.
وأما تحديد رواية العسل في هذه الآية وقول بعض السلف: نزلت فيه، فالمراد منه أن الآية تشمل قصته بعمومها على ما عرف من عادة السلف في قولهم: نزلت في كذا، كما نبهنا عليه مراراً، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان حرم ذلك الشراب، ثم أخبر بأن مثله فرضت فيه التحلة، فلا مانع من العود إلى شربه.