[جنس إبليس]
اختلف العلماء في إبليس: هل كان من الملائكة أم لا؟ وفي المسألة قولان: أحدهما: أنه كان من الملائكة، وهذا قول أكثر المفسرين؛ لأنه سبحانه أمر الملائكة بالسجود لآدم، فلولا أنه من الملائكة لما توجه الأمر إليه بالسجود، ولو لم يتوجه الأمر إليه بالسجود لم يكن عاصياً، ولما استحق الخزي واللعن.
القول الثاني: أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة؛ لقوله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:٥٠] فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس؛ ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، كما قال تعالى حاكياً عنه: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، فهذا يدل على أنه لم يخلق مما خلقت منه الملائكة الذين خلقوا من نور، ولأن إبليس له ذرية، والملائكة لا ذرية لهم.
قال في الكشاف: إنما تناوله الأمر وهو للملائكة خاصة؛ لأن إبليس كان في صحبتهم، وكان يعبد الله عبادتهم، فلما أمروا بالسجود لآدم والتواضع له كرامة له كان الجني الذي معهم أجدر بأن يتواضع.
والقول الأول هو الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، وممن صححه البغوي، وأجابوا عن قوله تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ) أي: من الملائكة الذين هم خزنة الجنة.
وعلى أي الأحوال الخلاف في هذا الأمر موجود بين العلماء، والإمام ابن القيم رحمه الله تعالى لما حكى هذا الخلاف رجح ما يراه راجحاً كعادته في التحقيق، وهذا حري به، كما يعبر العلماء دائماً عنه فيقولون: قال الإمام المحقق ابن القيم الجوزية؛ لأن ابن القيم يتميز بتحقيق المسائل وتمحيصها من الناحية العلمية، ويذكر التفصيل في المسألة.
فبعض العلماء يقولون: إن الصحيح: أنه كان من الملائكة، وهذا نوع من الملائكة اسمهم الجن؛ لأنهم يخفون ولا يظهرون، والبعض قال: كان هو أبو الجن أو أصل الجن، لكن كان يعبد الله مع الملائكة، وإن لم يكن من جنسهم، فلذلك شمله الأمر معهم، حتى قال بعضهم: إنه كان منافقاً يظهر موافقة الملائكة في العبادة فقط.
يقول ابن القيم: الصواب التفصيل في المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول واحد، فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته يعبد الله معهم، وليس منهم بمادته وأصله، فأصله من نار وأصل الملائكة من نور، فالنافي كونه من الملائكة والمثبت لم يتواردا على محل واحد، فمن يقول: هو من الملائكة يشير إلى صورته أنه كان مع الملائكة في عبادة الله، والذي يقول: ليس من الملائكة يتحدث عن أن أصله من نار، وليس كالملائكة الذين أصلهم من نور.
وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار، وإنما سموا جناً لاستتارهم عن الأعين، فإبليس كان منهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات:١٥٨] أي: وبين الجن؛ لأنهم كانوا يقولون: الملائكة بنات الله، والعياذ بالله! قيل: ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية، وقد سئل الشعبي: هل لإبليس زوجة؟ فقال: ذلك عرس لم أشهده! أي: حفل زواج ما كنت حاضراً فيه، قال الشعبي: ثم قرأت هذه الآية فعلمت أنه لا يكون له ذرية إلا من زوجة.
وقال قوم: ليس له ذرية ولا أولاد، وذريته هم: أعوانه من الشياطين.