تفسير قوله تعالى: (قال له موسى هل أتبعك حتى أحدث لك منه ذكراً)
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف:٦٦ - ٧٠].
((هَلْ أَتَّبِعُكَ)) أي: أصحبك، ((عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)) أي: مما علمت من عند ربك، ((رشداً))، أي: علماً ذا هدى وإصابة خير.
قال القاضي: وقد رأى في ذلك غاية التواضع والأدب، لم يقل له: (علمني)، وإنما قال: (هل أتبعك) فاستجهل نفسه، ووصف نفسه بعدم العلم، فأظهر الفقر والحاجة إلى ما عنده من العلم، واستأذن أن يكون تابعاً له، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليك.
وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلم من العالم.
وفي قوله: ((مما علمت)) تذكير له بنعمة الله عليه أي: كما علمك الله عليك أن تعلم طالب العالم.
((قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا))، نكر (صبراً) لبيان أنه لن تستطيع معي صبراً بوجه من الوجوه، ثم علل معتذراً بأنه لن يستطيع أن يصبر، قال: ((وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا))، أي: إن صحبتني سترى مني أموراً ظواهرها مناكير وبواطنها لم يحط بها خبرك.
قال: ((سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا))، أي: لا أخالفك في شيء.
قال الزمخشري: رجا موسى عليه السلام لحرصه على العلم وازدياده أن يستطيع معه صبراً بعد إفصاح الخضر عن حقيقة الأمر، فوعده بالصبر معلقاً بمشيئة الله علماً منه بشدة الأمر وصعوبته، وأن الحمية التي تأخذ المصلح عند مشاهدة الفساد شيء لا يطاق، هذا مع علمه أن النبي المعصوم الذي أمره الله بالمسافرة إليه واتباعه واقتباسه العلم بريء من أن يباشر ما فيه غميزة في الدين، وأنه لابد لما يستمج ظاهره من باطن حسن جميل، فكيف إذا لم يعلم؟ قال بعض المفسرين في تفسير فاتحة القرآن عند قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٦ - ٧]: إن الإنسان إذا كان في الجماعة أي: إذا أدخل نفسه في زمرة الجماعة كان بركة عليه، ولذلك صبر إسماعيل لأبيه وقال: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:١٠٢]، أما موسى فقال: ((ستجدني إن شاء الله صابراً)) وهذه لفتة عارضة.
وإنما قال: (إن شاء) لما يعلم من صعوبة الأمر، وصعوبة أن يرى منكراً ثم يصبر عن إنكاره.
((قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)).
شرط المرافقة الموافقة، أي: لا تفاتحني بالسؤال عن شيء أنكرته مني، ولن تعلم وجه صحته حتى أبدأ أنا ببيانه، وهذا من آداب المتعلم مع العالم، والمستمع مع المسمع، فلا يبادر الإنكار حتى يتبين سبب هذا القول أو الفعل.