[تفسير قوله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق)]
قال تبارك وتعالى: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} [النساء:٩٠].
(إلا الذين يصلون) يعني: الذين يلجئون.
(إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) يعني: عهد هدنة أو أمان، فاجعلوا حكمهم كحكمهم؛ لأن هذا سيؤدي إلى قتال من وصلوا إليه، فيفضي إلى نقض الميثاق.
وفي هذا احترام للعهود والمواثيق، يعني: الحكم السابق في قوله تبارك وتعالى: (فإن تولوا) أي: عن الهجرة وانحازوا للكفار مع قدرتهم على الهجرة إليكم.
(فخذوهم) يعني: بالأسر.
(واقتلوهم حيث وجدتموهم) في الحل أو الحرم.
(ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً).
من الذي يستثنى من هؤلاء المذكورين؟! يستثنى من لجأ إلى قوم بين المسلمين وبينهم ميثاق، ففي هذه الحالة ينبغي عدم التعرض له، بل يعامل كمعاملة هؤلاء الذين لهم عهد ولهم هدنة ولهم ميثاق؛ لأنه إذا دخل هذا في جوار هؤلاء القوم الذين لهم عهد وميثاق، وحاول المسلمون أن يقتلوه وهو في جوارهم فهذا سيؤدي إلى قتال هؤلاء المعاهدين، وبالتالي تنقض العهود، ومن ثم أمر الله سبحانه وتعالى بأن هؤلاء يعاملون كمعاملة هؤلاء الذين بيننا وبينهم ميثاق.
(أو جاءوكم حصرت صدورهم) يعني: وهؤلاء الذين جاءوكم يستثنون مع هؤلاء اللاجئين.
(حصرت صدورهم) يعني: قد ضاقت وانقبضت نفوسهم.
(أن يقاتلوكم) لإرادتهم المسالمة فهم يريدون أن يكونوا سلماً لكم، ويكرهون وتضيق نفوسهم بأن يقاتلوكم.
(أو يقاتلوا قومهم) أي: معكم لمكان القرابة منهم، فهؤلاء لا يريدون أن يقاتلوكم، ولا يريدون أن يضموا إليكم ليقاتلوا قومهم وقبيلتهم، فهم لا لكم ولا عليكم.
إذاً المستثنى هنا من المأمور بأخذهم فريقان: أحدهما: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.
الآخر: من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) إشعار بقوتهم في أنفسهم، وأن التعرض لقتلهم فيه إظهار لقوتهم الخفية، فهذه الجملة جارية مجرى التعليل لاستثنائهم من الأخذ والقتل.
(ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) يقول القاسمي: فيها إشعار بأنه لديهم قوة كاملة هم يستطيعون أن يقاتلوكم، لكن الله هو الذي كف أيديهم عنكم، وأنتم إذا تعرضتم لقتلهم فستستفزونهم، وبالتالي سيأخذون موقفاً معادياً ويشرعون في قتالكم، هذا هو التعليل لسبب استثنائهم من الأخذ والقتل.
(فإن اعتزلوكم) يعني: إن تركوكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك.
(فلم يقاتلوكم) مع أنهم متمكنون من قتالكم وقادرون على قتالكم، لكن الله سبحانه وتعالى كفهم عنكم.
(وألقوا إليكم السلم) أي: الانقياد والاستسلام.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) أي: ليس لكم حق في أن تأخذوهم بالأسر أو بالقتل، إذ لا ضرر منهم على الإسلام، وقتالهم يظهر كمال قوتهم.