قوله:(فَلَمَّا زَاغُوا) يعني: مالوا عن الحق مع علمهم به؛ وذلك لفرط الهوى، وحب الدنيا.
((أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)) أي: عن طريق الهدى، وحجبهم عن نور الكمال؛ لفرط انحرافهم نحو الغي والضلال.
ونلاحظ هنا أن محل الزيغ ومحل الهداية إنما هو القلب؛ لذلك قال تعالى:((أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ))، فإن القلب إذا زاغ زاغ البدن، فالقلب ملك البدن، لذلك فأصل الزيغ يكون فيه.
والهداية أيضاً تكون للقلب بدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}[التغابن:١١]، ولذلك جاء في دعاء المؤمنين:{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}[آل عمران:٨].
فجمع بين الأمرين: الزيغ والهداية (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) يعني: أمالها عن الحق؛ جزاء لما ارتكبوه كما قال تعالى:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}[البقرة:١٠]، وقوله أيضا: ً {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}[الأنعام:٢٥]، وقال تعالى:{فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ}[الأعراف:١٠١].
ويشهد لهذا التفسير قياس العكس، وبيان ذلك: أن الله تعالى قال في حق هؤلاء اليهود: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، وقياس العكس:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}[محمد:١٧].