[تفسير قوله تعالى: (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء)]
قال تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:٢٩].
((لِئَلَّا يَعْلَمَ)) أي: ليعلم أهل الكتاب الذين لم يسلموا عدم قدرتهم على شيء من فضل الله، وثبوت أن الفضل بيد الله.
والمراد بالفضل ما آتاه المسلمين وخصهم به؛ لأنهم كانوا يرون أن الله فضلهم على جميع الخلق.
فأهل الكتاب كانوا يعتقدون أنهم أفضل الخلق، وزنادقة اليهود يقولون كما حكى الله عنهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة:١١١]، وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:١٨]، كانوا يحسبون أنهم أفضل من جميع الخلق، فأعلمهم الله جل ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل والكرامة ما لم يؤتهم؛ ليعلموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، أي: ليسوا هم الذين يوزعون فضل الله على الخلق.
والتفضيل بين الأمم راجع إلى قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:٦٨]، فأنتم لا تقدرون على شيء من فضل الله، فإذا كنتم لا تقدرون على شيء من فضل الله، فكيف تكون لكم قدرة على ما هو أعظم فضل الله.
إذاً فالمراد بالفضل ما آتاه المسلمين وخصهم به؛ لأن أهل الكتاب كانوا يرون أن الله فضلهم على جميع الخلق، فأعلمهم الله جل ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل والكرامة مالم يؤتهم؛ ليعلموا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، فضلاً عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة، فيخص بها من أرادوا، وأن الفضل بيد الله دونهم.
قوله: ((وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ))، يعني: ليس بأيديكم أنتم يا أهل الكتاب! دون غيركم من الخلق، بل الله عز وجل يؤتيه من يشاء من عباده.
(ولا) في ((لِئَلَّا)) صلة، وقال بعضهم: وهو حرف شاعت زيادته.
بل هذا في الحقيقة من أوضح الأدلة على أن (لا) قد تكون أحياناً زائدة، ولا تعني النفي، وهذا أحد الأوجه في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:١].
فهنا قوله تعالى: ((لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ))، تفسيرها: ليعلم أهل الكتاب.
قال ابن جرير: وذكر أن في قراءة عبد الله: (لكي يعلم)، قال: لأن العرب تجعل (لا) في صلة كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح، كقوله في البحث السابق الذي لم يصرح به: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:١٢]، وتفسيرها: ما منعك أن تسجد لما أمرتك، وقال تعالى: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:١٠٩]، يعني: أنهم سوف يؤمنون.
وقال تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:٩٥]، في التفسير: أنهم يرجعون؛ فالأمة التي تهلك لا ترجع إلى الدنيا مرة أخرى؛ فهذا حرام بتحريم كوني قدري، أي: حرام عليهم أن يرجعوا إلى الدنيا.
ونقل الثعالبي في فقه اللغة زيادتها في عدة شواهد في فصل (الزوائد والصلات التي هي من سنن العرب) فانظره تزدد علماً.
وهذا آخر تفسير سورة الحديد.
والله أعلم.