((واضرب لهم مثل الحياة الدنيا)) أي: اذكر لهم ما يشبه هذه الدنيا في زخرفها وسرعة زوالها.
((كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض)) أي: فالتف بسببه وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً، فشب وحسن وعلاه الزهر والنور ((فأصبح هشيماً)) بعدما كان في حالة الزهو أصبح جافاً يابساً مكسوراً، ((تذروه الرياح)) تفرقه وتنفثه ذات اليمين وذات الشمال كأن لم يكن، وهكذا حال الدنيا وحال مجرميها؛ فإن ما نالهم من شرف الحياة كالذي حصل في النبات من شرف النمو ثم يزولون زوال النبات، ((وكان الله على كل شيء مقتدراً)) أي: على كل من الإنشاء والإفناء كامل القدرة.
ولما كان هذا المثل للحياة الدنيا من أبهى المثل وأبدعها ضرب كثيراً في التنزيل، كقوله تعالى في سورة يونس:{إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ) [يونس:٢٤]، وقال تعالى أيضاً في سورة الزمر: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) [الزمر:٢١]، وفي الحديد: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}[الحديد:٢٠] إلى آخر الآية.