[تفسير قوله تعالى: (وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)]
قال تعالى: {وَقَالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [الأعراف:٣٩].
يعني: أن الرؤساء يردون على الأتباع بعد الشكوى التي شكوها.
فيقولون: ((فما كان لكم علينا من فضل)) يعني: أنتم لستم أحسن منا ولا فضل لكم علينا في ترك الكفر والضلال، حتى يكون عذابنا مضاعفاً دونكم، فقد ضللتم كما ضللنا، فنحن وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب.
((فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون)) وهذا يحتمل أن يكون من قول القادة، ويحتمل أن يكون من قول الله تعالى للفريقين، وهو أظهر.
وهذه الآية تدل على أن الكفار والضلال والأتباع وإن تناصروا وتعاونوا على ضلالتهم وتوادوا في الدنيا، فإنهم في الآخرة يتلاعنون ويتقاطعون ويسألون العذاب لمن أضلهم.
كما أن الآية تدل على فساد التقليد وفساد الاغترار بقول علماء السوء؛ فبعض المنسوبين للعلم وللفتوى يتكلم كما يتكلم السوقة والرعاع، فتصدر عنه فتاوى مضادة تماماً لكتاب الله ولسنة رسول الله ولإجماع المسلمين، وفيها تحليل لما حرم الله، ومع ذلك يتكلم كما يتكلم الرعاع والسوقة فيقول: اتبعوني وأنا سأتحمل عنكم الوزر! وهذا هو منطق السوقة والغوغاء من الناس، وليس منطق من ينتسب إلى العلم الشريف؛ لأنه يأتسي في ذلك بمن قالوا: {اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت:١٢].
ثم ألم يسمع قوله تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم:٣٨]، فالإنسان لا يعد معذوراً في متابعة علماء السوء الذين وقفوا يدعون الناس إلى الجنة بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، وكثير من الناس يستند إلى كلام هؤلاء الناس ويقول: "اجعلها في رقبة عالم واخرج منها سالم"، أو: "من قلد عالماً لقي الله سالماً" وينسبون ذلك جوراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بينما هذه الآية بعكس قولهم، فهي تذم التقليد وتذم الانقياد لعلماء السوء، خاصة أن الله سبحانه وتعالى يطفئ نورهم ويجعل على كلامهم ظلمة، ولا يقبلها حتى عوام الناس الذين لا يفقهون ولا يعلمون، ويكون الضلال في كلامهم بحيث لا يفتن به إلا صاحب هوىً له في نفسه غرض، فيسوغ الباطل كتعاطي الربا والتعامل مع البنوك، بحجة أن المفتي قال كذا والعياذ بالله.
فلا ينبغي أن يغتر الإنسان بقول علماء السوء.
وتدل الآية على أن الداعي إلى الضلال مضل، كما تدل على أن إضلال غيره إياه ليس بعذر له، وتدل أيضاً على أن اشتراكهم في العذاب لا يوجب لهم راحة، بخلاف الاشتراك في محن الدنيا.
فإن الناس يقولون: إن المصيبة إذا عمت طابت، وكما تقول الخنساء: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي وما يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس عنه بالتأسي فإذا شملت المصيبة عدداً كبيراً هانت على الإنسان، وهذا نحسه حتى في أشياء دقيقة، فلو أن أحداً وهو ذاهب إلى الكلية أو إلى العمل وتأخر قليلاً ثم رأى ناساً معه متأخرين، فالمصيبة تخف عليه، وإحساسه بالتقصير يخف؛ لأن ناساً معه في نفس هذا الشؤم، فالمصيبة إذا عمت طابت.
فلا يظن ظان أن الحال سيكون كما كان عليه في الدنيا، بأنهم إن اشتركوا جميعاً وتوحدت الآلام والمحن سيحصل نوع من المواساة، فإنهم سيحرمون من هذا الشعور، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى: {وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:٣٩].
وتدل الآية على أن ذلك الإضلال فعلهم، وهذا يبطل قول المجبرة في المخلوق والهدى والضلال.