[تفسير قوله تعالى:(إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام)]
قال الله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف:٥٤] لم يفصل هنا في ذلك، ولكنه فصله في سورة فصلت، فقال عز وجل:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}[فصلت:٩ - ١٢].
فقوله هنا عز وجل:(إن ربكم الله) أي: إن سيدكم ومالككم ومدبركم الذي يجب أن تعبدوه أيها الناس هو الله الذي أنشأ أعيان السماوات والأرض في مقدار ستة أيام، وكلمة (اليوم) في اللغة هي: مطلق الوقت، فإن أريد هذا فالمعنى في ستة أيام يعني: في ستة أوقات كقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ}[الأنفال:١٦] يعني: وقتئذ، فعبر عن الوقت باليوم، وإن أريد اليوم المتعارف وهو الزمن الذي بين طلوع الشمس وغروبها، فالمعنى في مقدار ستة أيام؛ لأن اليوم إنما كان بعد خلق الشمس والسماوات، كما في سورة فصلت:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}[فصلت:٩]، ثم قال عز وجل:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا}[فصلت:١١]، إلى آخر الآيات.
وفي شرح القاموس: أن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، أو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، والثاني هو تعريف شرعي عند الأكثر.
ويستعمل (اليوم) أيضاً بمعنى: مطلق الزمان كما قال سيبويه ومثل لها بقوله: أنا اليوم أفعل كذا، فهم لا يريدون يوماً بعينه، إنما يريدون الوقت الحاضر فقط، وبه فسروا قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}[المائدة:٣] يعني: في هذا الوقت أكملت لكم دينكم، وكما في قول النبي عليه الصلاة والسلام:(بين يدي الساعة أيام الهرج يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل)، وأيام الهرج تعني: وقت وأزمنة الهرج، وبالتأكيد أن اليوم في هذه الحالة لا يختص بالليل ولا بالنهار، إنما يقصد به الوقت، وأيام الهرج يعني: زمان الهرج.
وقال ابن كثير: يخبر تعالى أنه خلق العالم سماواته وأرضه وما بين ذلك في ستة أيام كما أخبر بذلك في غير ما آية من القرآن، والستة الأيام: الأحد، والإثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة، وفيه اجتمع الخلق كلهم، وفيه خلق آدم عليه السلام، واختلفوا في هذه الأيام هل كل يوم منها كهذه الأيام، كما هو المتبادر إلى الأذهان، أو كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والإمام أحمد بن حنبل، يعني: هل هي من أيام الله: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}[الحج:٤٧]، أم أنها كأيام الدنيا المعروفة، فأما يوم السبت فلم يقع فيه خلق لأنه اليوم السابع، ومنه سمي السبت ومعناه: القطع.
أما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر فيها يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر يوم الجمعة، آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل).
فهذا الحديث رواه مسلم والنسائي من غير وجه، وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال:((فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ))؛ ولذلك تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث، وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وذلك أن في خلق الأشياء بهذا التدرج حثاً على التأني في الأمور، مع أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يخلقها كلها بقوله: كن فتكون، لكن في ذلك حث على التأني في الأمور.