ثم أشار تعالى إلى أن الكفر والعصيان مصدره طاعة الشيطان وإيثاره على الرحمن، والشيطان أعدى الأعداء وأفسق الفساق، فلا يتولاه إلا من سفه نفسه، وحاد عن جادة الصواب، فقال سبحانه:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:٥٠].
((كان من الجن)) العتاة المردة الشياطين.
((ففسق عن أمر ربه)) خرج عن طاعته.
((أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو)) أي: فتستبدلونهم بي؛ فتطيعونهم بدل طاعتي وهم لكم عدو يبغون بكم الغوائل، ويوردونكم المهالك.
وهذا تقريع وتوبيخ لمن آثر اتباعه وطاعته، ولهذا قال تعالى:((بئس للظالمين بدلاً)) أي: بئس للظالمين الواضعين شيئاً في غير موضعه؛ لأن العدو ينبغي أن يتخذ عدواً، أما أن تتخذ العدو ولياً، وتجافي وتعادي الولي الحقيقي الذي هو الله سبحانه وتعالى، فـ (بئس للظالمين بدلاً)، يعني: بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله فأطاعه بدل طاعته.
قال ابن كثير: وهذا المقام كقوله بعد ذكر القيامة وأهوالها ومصير كل من الفريقين السعداء والأشقياء في سورة يس: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ}[يس:٥٩ - ٦٠].
كذلك هنا في الآية السابقة بعدما بين الله سبحانه وتعالى حال الناس حينما يرون أعمالهم:{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ}[الكهف:٤٩ - ٥٠]، إلى قوله:{أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا}[الكهف:٥٠].