للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى معية الله لخلقه وأقسامها]

قوله: ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) يعني: هو مستوٍ على العرش وهو معكم أينما كنتم، قال ابن جرير: أي: وهو شاهد عليكم أينما كنتم يعلمكم ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سماواته السبع.

ونشير إشارة عابرة إلى موضوع المعية، فقد جاءت آيات في القرآن الكريم تدل على أن معية الله سبحانه وتعالى خاصة بالمتقين والمحسنين والمؤمنين، كقوله تبارك وتعالى: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٥]، وهذا خطاب للمؤمنين، فيفهم منه المعية للمؤمنين.

وكذلك قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨].

وقال تعالى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، وقال موسى عليه السلام: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢].

وقال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال:١٢].

وقال تعالى حاكياً عن النبي صلى الله عليه وسلم: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠].

في حين جاءت آيات أخرى تدل على أن المعية عامة لكل المخلوقات، كقوله تبارك وتعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧]، وقال تبارك وتعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤].

وقال تعالى: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف:٧].

وقال عز وجل: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:٦١].

إذاً: هل الآيات التي دلت على أن المعية عامة لكل الناس وكل المخلوقين، تعارض الآيات التي دلت على معية خاصة بالأنبياء والصالحين؟

الجواب

لا تعارض؛ وبيان ذلك كما يأتي: أن المعية الخاصة من الله تكون بالنصر والتوفيق والإعانة، وهذه لخصوص المتقين المحسنين، ولذلك نلاحظ أن هذه المعية الخاصة أتت مع الأنبياء والصديقين {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠].

ومع الملائكة: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} [الأنفال:١٢].

ومع المؤمنين: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ} [محمد:٣٥]، ومن أوضح الأدلة على ذلك قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨].

هذه هي المعية الخاصة بالتوفيق والتسديد والنصر والإعانة.

أما المعية العامة فهي المعية بالإحاطة والعلم؛ لأنه تعالى أعظم وأكبر من كل شيء، وهو محيط بكل شيء، فجميع الخلائق في يده أصغر من حبة خردل في يد أحدنا، وله عز وجل المثل الأعلى، وهذه المعية عامة لكل الخلائق كما دلت عليه الآيات التي ذكرناها.