أشار إلى أنه كما بطل نكاح المؤمنة عن الكافر بطل نكاح الكافرة عن المسلم، فكما أن المؤمنة لا تتزوج كافراً بحال من الأحوال، كذلك أيضاً يبطل نكاح المسلم الكافرة، فقال عز وجل:((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) قرئت: (ولا تُمسِّكوا بعصم الكوافر) وقرئت أيضاً: (ولا تَمَسَّكوا بعصم الكوافر) يعني: بعقودهن التي يتمسك بها في الاستحلال.
يقول ابن جرير: يقول جل ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأستارهن، والكوافر: جمع كافرة، وهي تشمل كل من يطلق عليها لفظ الكافرة بما في ذلك الكتابية من اليهود والنصارى، والعصم: جمع عصمة، وهي ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله تعالى للمؤمنين عن الإقدام على نكاح المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهن.
ثم روى ابن جرير عن مجاهد قال: أُمر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بطلاق نساء كوافر بمكة قعدن مع الكفار.
وليست هذه الآية على عمومها ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ))، فقد خص من الكوافر حرائر أهل الكتاب، والمخصص هو قول الله تعالى في سورة المائدة:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:٥].
وعن الزهري قال: لما نزلت هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) إلى قوله: ((وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)) كان ممن طلق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، طلق امرأتين كانتا له بمكة: ابنة أبي أمية، وابنة جرول، وطلحة بن عبيد الله، طلق زوجته أروى بنت ربيعة، ففرق بينهما الإسلام حين نهى القرآن عن التمسك بعصم الكوافر.
وكان ممن فر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نساء الكفار ممن لم يكن بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد، فحبسها وزوجها رجلاً من المسلمين: أذينة بنت بشر الأنصارية، كانت عند ثابت بن الدحداحة، ففرت منه -وهو يومئذ كافر- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل بن حنيف أحد بني عمرو بن عوف، فولدت عبد الله بن سهل.