الرد على الأعقاب هو مثل للحور بعد الكور، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدعو في السفر ويقول:(وأعوذ بك من الحور بعد الكور)، بالراء، وروي بالنون (الكون)، ومعنى ذلك: أن الإنسان في حالة السفر يبتعد عن بيئة إخوانه وأهله الذين يعرفونه، فقد يكون الشيطان أقوى عليه، وسمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن حقيقة الشخص، فتراه يتحول إلى سبع مفترس؛ لأنه ابتعد عن المراقبة.
فالإنسان قد يتكلف الأخلاق في دار الإقامة، وقد يتكلف ذلك إذا قابل إخوانه ساعة أو ساعتين، أما في السفر فإنه لابد أن تغلبه شخصيته الحقيقية وتظهر طبيعته، ولذلك لما سأل عمر عن إنسان فقال رجل:(أنا أعرفه، فقال له عمر: هل التصقت به؟ هل تعاملت معه بالمال؟ هل سافرت معه؟) فهذه الأشياء هي التي تكشف الإنسان، ومن أراد أن يشهد على إنسان لابد أن يكون قد خالطه مخالطة دقيقة ومنها السفر.
والكور مأخوذ من تكوير العمامة، فالإنسان إذا أراد أن يثبت العمامة على رأسه فإنه يكورها، وإذا أراد أن يفكها فكها، وعملية الفك للعمامة تسمى التحوير، فالحور بعد الكور هذا تعبير أريد به انفراط عقد الإنسان بعد استمساكه، أو زلل قدمه عن طريق الاستقامة بعدما كان مستقيماً، فهذا معنى الحور بعد الكور، أما إذا قلنا: بعد الكون بالنون أي: بعد كونه على الطريق المستقيم يحيد عنه ويرتد على عقبيه.
فقوله تعالى:((يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)) هو مثل يضرب في الحور بعد الكور.
((فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)) ذكر (خاسرين) لأننا إذا أطعنا أعداء الله عز وجل فسنخسر كل شيء، وأعظم ما نخسره -كما يفهم من سياق الآية- الإسلام؛ لأن الله تعالى قال:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧].
(خاسرين) أي: خاسرين للإسلام، خاسرين لمحبة الله عز وجل ورضوانه، خاسرين لثوابه الدنيوي والأخروي.
أما ثمرة هذه الآية: فهي الدلالة للمؤمنين ألا ينزلوا على حكم الكافرين، ولا يقبلوا مشورتهم؛ خشية أن يردوهم عن دينهم؛ لأن الله عز وجل الذي يعلم من خلق أخبرنا بخفايا قلوبهم ودواخل أمورهم، وأنهم لن يقصروا في إيقاع الأذى بنا.