للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى قوله تعالى: (والبيت المعمور)]

قوله تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} [الطور:٤] أي: الذي هو معمور بكثرة من يغشاه، وهو الكعبة المعمورة بالحجاج والعمار والطائفين والعاكفين والمجاورين، وهذا هو الذي اعتمده القاسمي، فقد رجح أن البيت المعمور هو البيت الحرام بمكة المكرمة، والذي لا يوجد على سطح الأرض بيت يعبد الله سبحانه وتعالى ويوحد كما ينبغي له عز وجل إلا في هذا المكان وحده والعاكفين والمجاورين وغير ذلك.

وهناك قول آخر وهو: أن البيت المعمور هو بيت في السماء بحيال الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون إليه أبداً.

قال القاسمي: والأول أظهر، أي: أن البيت المعمور المقصود به الحرم الشريف؛ لأنه يناسب ما جاء في سورة التين من عطف البلد الأمين على طور سينين، والقرآن يفسر بعضه بعضاً؛ لتشابه آياته كثيراً، وإن تنوعت بلاغة الأسلوب.

أما القول: بأن البيت المعمور هو البيت الذي في السماء، فدليله ما ثبت في صحيح مسلم عن مالك بن صعصعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث الإسراء: (ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل! ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم).

ويمكن أن تقرأ (آخرُ ما عليهم)، إن قلنا: (آخرَ ما عليهم) فالنصب على الظرفية، وإن قلنا: (آخرُ ما عليهم) فالرفع على تقدير: ذلك آخرُ ما عليهم، وهذا أولى.

وفي حديث أنس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثم عرج بنا إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل.

قيل: ومن معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم.

قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه.

ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه).

قال المهايمي: أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي، يعني: بعدما أقسم الله سبحانه وتعالى بالكتاب بقوله: {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور:٢]، وهو الوحي، أورد بعد ذلك البيت المعمور، فربط بين الوحي وبين البيت المعمور، وعلى القول بأن البيت المعمور هو الكعبة، فكأن الربط هنا بين الوحي نفسه وبين مكان الوحي الذي هو البيت المعمور في مكة المكرمة.

يقول: أورده بعد الكتاب الذي هو الوحي؛ لأنه محل أعظم الأعمال المقصودة منه؛ ولأنه مظهر الوحي ومصدر الرحمة العامة المهداة للعالمين؛ ولأنه من أجل الآيات وأكبرها، كما دل عليه قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت:٦٧]، وآيات أخر.