تفسير قوله تعالى: (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهم أربعة أشهر وعشراً)
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة:٢٣٤].
قوله تعالى: (والذين يتوفون) يعني: يموتون، والفعل مبني لما لم يسم فاعله (يُتَوفون)، وليس (يَتوفون) بالبناء للفاعل، ولذلك يحكى أن الخليل بن أحمد مشى في جنازة، فسأله سائل فقال: من المُتوفي؟ قال: الله.
فغضب، ومن هنا بدأ في تدوين علوم النحو وضبط علوم اللغة، فنذر نفسه لحفظ اللسان العربي وقواعد اللغة العربية وفهم اللغة العربية؛ لأن الرجل قال له: من المتوفي؟ فرد عليه وقال: الله هو الذي يتوفى.
فالله يتوفى الأنفس، أما الميت فيسمى "متوفى"، فهذا هو الصحيح، أن تقول: (متوفى) أو: (توفي فلانٌ)، أو تقول: (توفاه الله)، ولا تقول: (تَوَفَّى).
يقول: (والذين يتوفون منكم) يعني: يموتون.
(ويذرون) يتركون (أزواجاً يتربصن بأنفسهن) (يتربصن) أيضاً هنا ظاهره الخبر والمقصود به الإنشاء وهو الأمر، يعني: ليتربصن بأنفسهن يعني بعدهن عن النكاح، فيحبسن أنفسهن عن الزواج لمدة أربعة أشهر وعشر ليال، فهذه الآية موضوعها مدة إحداد المرأة على زوجها المتوفى.
والمدة أربعة أشهر وعشر ليال، لا وعشرة أيام؛ لأنه لو كانت وعشرة أيام لقال: (أربعة أشهر وعشرة).
وهذا في غير الحوامل، فالمرأة إما أن تكون حاملاً أو حائلاً، فالمرأة الحامل عدتها أن تضع حملها، ودليله آية الطلاق، وهي قوله تعالى: {وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق:٤]، فلو أنها بعد وفاة الزوج -مثلاً- بيومين أو ثلاثة وضعت حملها فقد انقضت عدتها، فيمكن أن تكون العدة أياماً قليلة، ويمكن أن تقارب تسعة أشهر، فأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن.
أما المرأة الحائل فعدتها أربعة أشهر وعشراً، والأمة على النصف من ذلك بالسُنَّة.
(فإذا بلغن أجلهن) أي: انقضت عدة تربصهن فانقضت الأربعة الأشهر والعشر الليالي.
(فلا جناح عليكم) يعني: أيها الأولياء (فيما فعلن في أنفسهن) أي: فيما فعلن في أنفسهن من التزين والتعرض للخطاب، وقد وردت السنة ببيان جواز هذا كما في حديث سبيعة الأسلمية وقول أبي السنابل بن بعكك لها.
(بالمعروف) أي: شرعاً.
(والله بما تعملون خبير) أي: عالم بباطنه كظاهره.