قال القرطبي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: الإيثار: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الدينية.
وهذا كما قلنا من قبل: إن الإيثار يكون في الحظوظ الدنيوية؛ رغبة في الثواب وفي الحظ الأخروي، لذلك؛ فإن الحظ الأخروي ليس محل إيثار، بل هو محل تنافس، والتنافس في الدنيا مذموم، وأما التنافس الأخروي فمأمور به؛ لأن الدنيا ضيقة تضيق على أصحابها، فمن ثم يتنافسون فيها، وأما الآخرة فواسعة، والجنة واسعة عرضها كعرض السموات والأرض، وأدنى أهل الجنة منزلة له مثل ما في الأرض مرتين، فالجنة واسعة جداً، فمن ثَم فالتنافس على الجنة لا يورث البغضاء، بل العكس فإن المؤمن يحب للناس كلهم أن يكونوا مثله في الإيمان والعمل الصالح، إلا شواذ من الناس قد يحصل على الأمور الدينية وهو في هذه الحالة لا يحصل على الدين وإنما في الغالب يحصل على الدنيا، ومتى ما دخلت الحظوظ في الأعمال الدينية خرجت إلى التنافس على الدنيا كالتنافس على الشهرة والجاه وغيرها، فهذه دنيا في أمور وليست في أمور الدين، فالمفروض أنك تحب للآخرين أن يكونوا أيضاً طائعين لله سبحانه وتعالى، وهذه هي نفسية الداعية الذي يدعو الناس ويرشدهم إلى الخير؛ لأنه يحب لهم هذا الخير ويرجو لهم النجاة في الآخرة، فقد توجد في بعض طلبة العلم نوع من الأنانية أو الأثرة، فمثلاً قد يكون أخوه في حاجة ماسة إلى الكتاب وهو يخفيه عنه ولا يدله عليه، هذا نوع من الأنانية والأثرة التي لا تليق بطالب علم، وهذا خروج من التنافس على الطاعات إلى التنافس على حظوظ الدنيا، فينبغي إحياء خلق الإيثار وبالذات في الحظوظ، فمتى ما أحسست أن أي أخ لك في الله، أو زميل لك في العمل، أو زميل في الدراسة يحتاج إلى مذكرات، أو يحتاج إلى كتب، أو يحتاج إلى نصيحة، واطلعت أنت على شيء مما يفيده وهو لم يطلع عليه فلا تكتم عنه هذا الشيء، بل ينبغي أن نعيد سيرة السلف في الإيثار وعدم حجب أي شيء عن المؤمن إذا كان ينفعه.
يقول القرطبي: الإيثار: هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، يقال: آثرته بكذا أي: خصصته به وفضلته، ومفعول الإيثار محذوف:((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)) يعني: يؤثرونهم على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم لا عن غنىً، بل مع احتياجهم إليها.