[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم وبشر المؤمنين)]
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:١٠ - ١٣].
ولما قال الصحابة: لو عهدنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به أبداً، دلهم الله على ذلك، وجعله بمنزلة التجارة؛ لمكان ربحهم فيه، ونزلت هذه الآيات.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ} [الصف:١٠] وفي قراءة: (تنجِّيكم) {مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١٠ - ١١].
{يَغْفِرْ لَكُمْ} هذا جواب قوله: (تجاهدون)، أي: فإن تجاهدوا يغفر لكم.
وأصل معناها معنى الأمر، أي: آمنوا بالله وجاهدوا يغفر لكم ذنوبكم.
يقول تعالى: (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي: إيماناً يقينياً لا يشوبه أدنى شك {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١١] يعني: إن كنتم من أهل العلم، أو: إن كنتم تعلمون أنه خير.
والشرط هنا ليس على حقيقته، بل هو من باب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:٢٧٨]، فالمقصود بالشرط هنا التنبيه على المعنى الذي يقتضى الامتثال، وإلهاب الحمية بالطاعة، كما تقول لمن تأمره بالانتصاف من عدوه: إن كنت حراً فانتصف، تريد أن تثير منه حمية الانتصاف لا غير.
وقوله: (يغفر لكم ذنوبكم) هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر كما تقدم.
(وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أي: مساكن إقامة لا ظعن فيها.
{ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي: النجاء العظيم من نكال الآخرة وأهوالها.
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف:١٣] أي: عاجل، وهو فتح مكة.
وهذا يدل على أن السورة نزلت قبل فتح مكة بقليل، وكان القصد منها تشجيع المؤمنين على قتال محاربيهم، والثبات أمامهم، والتحذير من الزيغ عن ذلك، والتحريض في السخاء ببذل الأنفس والأموال في سبيل الحق؛ لإعلاء شأنه وإزهاق الباطل.
والمعنى: ويؤتكم أخرى تحبونها، أي: ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة وهي: ((نصر من الله)) لكم على أعدائكم ((وفتح قريب)) يعجله لكم.
{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} أي: بنصره تعالى لهم وفتحه في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.