[كلام الشنقيطي في قوله تعالى:(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)]
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:٤] تُوهم أن الإنسان ينكر أن ربه خلقه، فالكفار لما أنكروا البعث ظهرت عليهم أمارة إنكار الإيجاد الأول؛ لأن من أقر بالأول لزمه الإقرار بالثاني؛ لأن الإعادة أيسر من البدء، فأكد لهم الإيجاد الأول:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[التين:٤].
ثم يقول الله تعالى بعد ذلك:{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[التين:٧]، أي: إذا كان الله هو الذي خلقك وبدأك بأحسن تقويم (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ)، الدين: هو الجزاء، كما قال تعالى:{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٤]، يوم الدين: يوم الجزاء.
أي: ما يحملك أيها الإنسان على التكذيب بالبعث والجزاء بعد علمك أن الله أوجدك أولاً؟! فمن أوجدك أولاً فهو قادر على أن يوجدك ثانياً، كما قال تعالى:{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ}[يس:٧٩]، وقال:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ}[الأنبياء:١٠٤] , وقال:{وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}[الروم:٢٧]، وقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ}[الحج:٥] إلى غير ذلك من الآيات.
فلذلك ذكر تعالى أن من أنكر البعث فقد نسي إيجاده الأول، مع أنه مُقرّ بأن الله هو الذي خلقه، كما قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[الزخرف:٨٧]، فهم لا ينكرون أن الله هو الذي خلقهم، لكنهم تصرفوا تصرف الذي ينكر أن الله خلقهم؛ لأنهم ينكرون البعث والنشور، فلذلك زعموا بأنهم أيضاً ينكرون الإيجاد الأول، ولذلك فإن الإنسان لا ينكر البعث والنشور إلا إذا نسي الإيجاد الأول، قال الله سبحانه وتعالى:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}[يس:٧٨ - ٧٩].
وفي هذا إشارة إلى أنه ليس من الممكن أنه ينكر النشور إلا إذا نسي البعث، فتأمل كلمة:(أولا يذكر!)، وفي سورة يس:{وَنَسِيَ خَلْقَهُ}[يس:٧٨]، أي: أنه يقرّ أن الله هو الذي خلقه، لكنه ينسى؛ لأنه بإنكاره البعث والنشور يلزمه أن ينكر أيضاً بداية الخلق، فلذلك هو ينسى الخلق الأول:{وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا}[مريم:٦٦ - ٦٧].
وبعض المفسرين قالوا في تفسير:{فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ}[التين:٧]، أي: من يقدر على تكذيبك يا نبي الله! بالثواب والعقاب بعدما تبين أنا خلقنا الإنسان على ما وصفنا.