[شرح قوله تعالى: (طاعة وقول معروف)]
قال الله تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:٢١].
قوله: ((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)) أي: وكان الأولى بهم أن يسمعوا ويطيعوا في الحالة الراهنة، وأن يستعدوا للقتال؛ لأنهم سوف يباشرونه.
قوله: ((فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ)) أي: جد الحال وحضر القتال، ((فَلَوْ صَدَقُوا)) أي: أخلصوا له النية، {َلكَانَ خَيْرًا لَهُمْ}.
قال ابن جرير: قوله ((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)) هذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل هؤلاء المنافقين من قبل أن تنزل سورة محكمة ويذكر فيها القتال، وأنهم إذا قيل لهم: إن الله مفترض عليكم الجهاد قالوا: سمعاً وطاعة، فقال الله عز وجل لهم: ((فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ))، وفرض القتال شق ذلك عليهم وكرهوه، فقال لهم: ((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ))، قبل وجوب الفرض عليكم، فإذا عزم الأمر كرهتموه وشق عليكم.
((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)) أي: نأخذ منكم شيئين فقط قبل أن يفرض عليكم الجهاد بالكلام.
((فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ)) كرهتموه وشق عليكم، ونظرتم إليه: ((نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ))، إذاً: ففي هذه الحالة يوقف على (فَأَوْلَى)، ثم ابدأ من: (لَهُمْ) {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:٢١].
وقال القاسمي: في قوله: ((طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ)) أوجه: الأول: أنه خبر (أولى) على ما تقدم.
الثاني: أنها صفة السورة، أي: ((فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ)) (طَاعَةٌ)، أي: ذات طاعة، أو للطاعة، وفيه بُعد؛ لكثرة الفواصل.
الثالث: أنه مبتدأ، و (قول): عطف عليه، والخبر محذوف تقديره: أمثَل بكم من غيرهما، أي: طاعة وقول معروف أمثل بكم وأريح من غيرهما.
الرابع: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: أمرنا طاعة.
الخامس: أن (لَهُمْ) خبر مقدم، و (طَاعَةٌ) مبتدأ مؤخر، والوقف والابتداء يعرفان مما تقدم.
((فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ)): أي: جد الحال، وحضر القتال، قال أبو السعود: أسند العزم وهو الجد إلى الأمر، وهو لأصحابه، كما في قوله تعالى: {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [لقمان:١٧].
وعامل الظرف الذي هو جواب الشرط محذوف ((فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ)) ف
الجواب
خالفوا أو تخلفوا، وقيل: ناقضوا، وقيل: كرهوا، وقيل: جواب الشرط هو: فلو صدقوا الله تعالى فيما قالوه من الكلام المنبه عن الحرص على الجهاد (لكان) أي: الصدق (خيراً لهم)، أي: في عاجل دنياهم، وآجل أخراهم، وذلك بأن عفر لهم المعصية والمخالفة.
وقيل: فلو تركوه في الإيمان، ووافقت قلوبهم ألسنتهم في ذلك، وأياً ما كان فالمراد بهم: الذين في قلوبهم مرض، وهم المخاطبون بقوله تبارك وتعالى: ((فَهَلْ عَسَيْتُمْ))، أي: أيها المنافقون! الذين في قلوبهم مرض، (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم).