[تفسير الشنقيطي لآية:(لا تقدموا بين يدي الله ورسوله)]
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تبارك وتعالى في تفسير هذه الآية الكريمة: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ((لا تُقَدِّمُوا)) فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه: الوجه الأول منها وهو أصحها: أنه مضارع (قدم) اللازمة بمعنى: (تقدم) كما تقول: وجه وتوجه، وبين وتبين، ومنه مقدمة الجيش وهي خلاف ساقته، ومقدمة الكتاب، و (مقدمة) اسم فاعل قدم بمعنى: تقدم، والعرب تقول: لا تقدم بين يدي الأبي، يعني: لا تعجل بالأمر والنهي دونه، ويدل على هذا الوجه قراءة يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة:(لا تَقَدَّموا) وأصلها لا تتقدموا بحذف إحدى التاءين، هذا هو أصح الوجوه.
الوجه الثاني: أنه مضارع (قدم) المتعدي، والمفعول محذوف لإرادة التعميم، أي: لا تقدموا قولاً ولا فعلاً بين يدي الله ورسوله، بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله.
الوجه الثالث: أنه مضارع (قدم) المتعدية، ولكنها أجريت مجرى اللازم، وقطع النظر عن وقوعه على مفعولها؛ لأن المراد هو أصل الفعل دون وقوعه على مفعوله كقولهم: فلان يعطي ويمنع، ونظير ذلك في القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى:{هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ}[غافر:٦٨]، (يحيي) فعل فهو متعد، يحيى الموتى أو يحيى البشر وهكذا، لكن لما كان المقصود في هذه الآية إثبات اختصاص الله سبحانه وتعالى بالإحياء والإماتة، ولا يراد في ذلك وقوعهما على مفعول، فيقطع النظر عن المفعول.
وكذلك قول الله سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩]، (يعلم) فعل متعد، أي: يعلم الفقه ويعلم التفسير ويعلم الطب، لكن لما أريد مجرد وصف القوم بالعلم، وأنهم لا يستوون مع غير المتصفين بالعلم أجري الفعل المتعدي مجرى اللازم، كذلك (لا تُقَدِّمُوا) يعني: لا تكونوا من المتصفين بالتقديم بقطع النظر عن وقوعه على مفعوله.