تفسير قوله تعالى: (وجعلنا الليل لباساً سراجاً وهاجاً)
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:١٠ - ١٣].
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} أي: كاللباس لإحاطة ظلمته بكل أحد وستره لهم، ووجه النعمة في ذلك أن ظلمة الليل تستر الإنسان عن العيون إذا أراد هرباً من عدو أو بياتاً له، أو إخفاء ما لا يحب الإنسان اطلاع غيره عليه.
قال المتنبي: وكم لظلام الليل عندي من يد تخبر أن المانوية تكذب فالسياق في قوله الله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} سياق امتنان على الناس بهذه النعمة.
ووجه النعمة هنا أن ظلام الليل ليس شراً كله كما تزعم المانوية، الذين يجعلون الظلام إله الشر، والنور إله الخير.
فمن فوائد الليل أيضاً: راحة العين والبدن واستعادة القوى وغير ذلك.
فقول المتنبي: (وكم لظلام الليل عندي من يد) أي: من نعمة وفضل ومنة (تخبر أن المانوية تكذب) أي: حين ينسبون كل شر إلى الليل، فهو يقول: كم لظلام الليل عندي من يد وإحسان، وهذه اليد وهذا الإحسان تخبران أن المانوية تكذب في نسبة الشر المطلق إلى الظلام.
وأيضاً فكما أن الإنسان بسبب اللباس يزداد جماله، وتتكامل قوته، ويندفع عنه أذى الحر والبرد، فكذلك لباس الليل بسبب ما يحصل فيه من النوم الذي يزيد في جمال الإنسان، وفي طراوة أعضائه، وفي تكامل قواه الحسية والحركية، ويندفع عنه أذى التعب الجسماني، وأذى الأفكار.
{وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} أي: وقت معاش إذ فيه يتقلب الخلق في حوائجهم ومشاكلهم.
وقوله: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً} هي على حذف مضاف، أي: وقت معاش.
والمقصود بقوله: (معاشاً) أي: متصرفاً لطلب ما يعاش به من المطعم والمشرب، وغير ذلك.
{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً} أي: سبع سماوات (شداداً) جمع شديدة، أي: أن السماء عظيمة الخلق لا يؤثر فيها مرور الزمان.
وقال بعض المفسرين: السبع الشداد الطرائق السبع، وهي ما فيها من الكواكب السبعة السيارة.
وهذا الكلام فيه نظر، الكواكب السبعة تحت السماوات السبع، والله أعلم أين تنتهي السماء الدنيا.
{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} أي متلألئاً وقاداً، يعني به الشمس.