[الفرق بين البخل والشح]
قوله تعالى: ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الشح والبخل سواء، يقال: رجل شحيح، من الشُحّ والشَحْ والشحاحة، وجعل بعض أهل اللغة الشح أشد من البخل، وفي الصحاح: الشح: البخل مع حرص.
والمراد من الآية: ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) الشح بالزكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام، والضيافة وما شاكل ذلك، فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك وإن أمسك عن نفسه، ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرناه من الزكوات والطاعات فلم يوق شح نفسه.
وروى الأسود عن ابن مسعود: أن رجلاً أتاه فقال له: إني أخاف أن أكون قد هلكت، قال: وما ذاك؟ قال: سمعت الله عز وجل يقول: ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئاً، فقال ابن مسعود: (ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن، إنما الشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً، ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل).
ففرق رضي الله عنه بين الشح والبخل.
وقال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح بما في أيدي الناس، يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحلال والحرام ولا يقنع.
وقال ابن جبير: الشح: منع الزكاة، وادخار الحرام.
وقال ابن عيينة: الشح: الظلم.
وقال الليث: هو ترك الفرائض، وانتهاك المحارم.
وقال ابن عباس: من اتبع هواه ولم يقبل الإيمان فذلك الشحيح.
وقال أبو الهياج الأسدي: رأيت رجلاً في الطواف يدعو: اللهم! قني شح نفسي، لا يزيد على ذلك شيئاً، فقلت له: لماذا تصر على هذا الدعاء؟ فقال: إذا وُقيتُ شح نفسي لم أسرق، ولم أزن، ولم أفعل، فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
ويدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم: حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم).
وقال كسرى لأصحابه: أي شيء أضر لابن آدم؟ قالوا: الفقر، فقال كسرى: الشح أضر من الفقر؛ لأن الفقير إذا وجد شبع، والشحيح إذا وجد لم يشبع أبداً.