[تفسير قوله تعالى: (كذبت ثمود من الكذاب الأشر)]
قال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ * فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ} [القمر:٢٣ - ٢٦].
يحتمل أن يكون (النذر) هنا بمعنى الإنذار، أو جمع نذير، أي الرسل، وإنما جمع لأن من كذب نبياً واحداً فقد كذب كل الرسل، فلذلك قال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ}.
وهذا على القول بأن (النذر) جمع نذير، أما (النذر) بمعنى الإنذار، فيكون المعنى: كذبت ثمود بما أنذرهم به نبيهم صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
((فَقَالُوا أَبَشَرَاً)) يعني: أنتبع بشراً ((مِنَّا وَاحِدَاً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذَاً))، إذا اتبعناه، ((لَفِي ضَلالٍ))، أي: خطأ وذهابٍ عن الصواب، ((وَسُعُرٍ)) أي: جنون أو عناء، فهو اسمٌ مفرد.
وقيل: ((وَسُعُرٍ)): جمع سعير، كأنهم رتبوا على اتباعهم إياه ما رتبه على عدم اتباعهم له.
قال الزمخشري: قالوا: ((أَبَشَرَاً)): إنكاراً لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، قالوها إنكاراً، يعني: هل يصلح أن نتبع بشراً مثلنا من جنس البشر؟! وطلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر وهم الملائكة، وقالوا: ((مِنَّا)) لأنه إذا كان منهم كانت المماثلة أقوى، ((وَاحِدَاً)) قالوها إنكاراً لأن تتبع الأمة رجلاً واحداً، أو أرادوا واحداً من أبنائهم من أشرافهم وأفاضلهم، ويدل على هذا قولهم: {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا} [القمر:٢٥]، يقصدون بذلك ازدراء نبي الله صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
((أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ)) يعني: الوحي، {أَؤُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا}، أي: وفينا من هو أحق بها؛ لكونه أعز مالاً ونفراً، فكأنهم يقصدون: كيف خُص من بيننا بالنبوة والوحي وفينا من هو أكثر منه مالاً وأعز نفراً؟ ((بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ))، أي: متكبر حمله كبره وفخره بنفسه على أن يطلب منا أن نتبعه ونكون أتباعاً له.
وقيل: إن معنى (الأشر) المرِح المتكبر، أو البَطِر.
وقيل: إن الأشر المتعدي إلى منزلة لا يستحقها.
وقيل: الذي يقول كلاماً ولا يبالي ما قال.
وأما قوله: ((إِنَّا إِذَاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)) كما قلنا: قيل إن (السعر) هو الجنون، إذا قلنا: إنها كلمة مفردة، تقول العرب: ناقة مسعورة، كأنها مجنونة من النشاط.
وهناك معنى آخر لـ (سعر) مفرداً، أي: شقاء وعناء لأجل ما يلزمنا من طاعته، رتب على طاعتنا إياه تكاليف وأوامر ونواهٍ وهكذا.
((سَيَعْلَمُونَ غَدَاً))، أي: عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة.
((مَنَ الْكَذَّابُ الأَشِرُ)) أي: من المتكبر عن الحق البَطِر له.
وقوله تعالى هنا: ((سَيَعْلَمُونَ غَدَاً)) هو على التقريب وليس على التحديد، فليس هو اليوم الثاني مباشرة، بل استعملت هنا على عادة العرب أو على عادة الناس في قولهم للعواقب: غداً، على سبيل التقريب، وتقول العرب في الكلام عن عواقب الأمور: إن مع اليوم غداً، يعني: هناك عاقبة لهذا اليوم، وقال الشاعر: من لم يكن ميتاً في اليوم مات غداً (مات غداً) يعني: في المستقبل، وليس المقصود أنه يموت بالفعل في الغد.
ولذلك فسره المفسرون بقولهم: وذلك عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة، فأطلق عليه (غداً) مع أنه بعيد نسبياً عن الأيام التي كانوا فيها.