للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمة محمد صلى الله عليه وسلم وسط بين الإفراط والتفريط]

قوله عز وجل: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)) الوسط: العدول، ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)) هكذا أثنى الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة بالخيرية والوسطية وبالعدالة، فمن مفاخر الإسلام ومحاسنه هذا التوسط في كل باب من الأبواب، فهناك طرفان: طرف قابل للغلو، وطرف آخر قابل للتقصير والجفاء والتفريط، فهذه الأمة في كل الأمور هي أوسط الأمم وخيارها وأعدلها؛ فلذلك يقول شاعر: كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الأحداث حتى أصبحت طرفا دائماً في أي شيء يوجد وسط وطرفان، طرف لأقصى اليمين، وطرف لأقصى الشمال فمن حاد عن هذه الوسطية التي هي شريعة الإسلام وأحكام الإسلام إلى أقصى اليمين أو أقصى اليسار فهذا هو الذي أخذ بأطراف الأمور، فهذا هو الذي يطلق عليه المتطرف، فالمتطرف هو الذي يأخذ بأطراف الأمور إما بالغلو وإما بالجفاء، إما بالإفراط وإما بالتفريط، فهذا هو المتطرف، فكل من انحرف عن هدي الإسلام فهو متطرف، وكل من تمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم -الذي هديه خير الهدي- فهو الوسط والعدل، وهو الخيِّر بشهادة القرآن الكريم وبشهادة سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فمن اللعب بالألفاظ إطلاق كلمة المتطرف أو المتزمت أو غير ذلك من الألقاب التي يطلقونها بألسنتهم وأقلامهم على أهل الحق والإسلام، وأهل السنة والجماعة، وهذا تجن على الحقائق؛ لأن الخلاف بيننا وبينهم في تحديد الوسط، فممكن يأتي شخص ويعتبر أحد الطرفين هو الوسط، فإذا اعتبر ما هو عليه وسطاً فبلا شك بالنسبة إليه سيكون هو الوسط أو العدل، فالمتطرف: هو الذي يأخذ بأطراف الأمور، فكل من حاد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم فهو المتطرف بشهادة القرآن؛ لأن القرآن يصف الأمة بهذه الصفة، فنحن الذين في الوسط، وكل من يخالفنا فهو المتطرف سواء كان على مستوى الأديان أو على مستوى الفرق داخل دائرة الإسلام، سواء أهل الشهوات أو أهل الشبهات، فبالنسبة لمن عدا أهل الإسلام فكل من ليس مسلماً فهو متطرف، وهم الآن يحاولون غسل أدمغة بعض الناس، يقولون: قام مجموعة من اليهود المتطرفين بفعل كذا وكذا، أو يقول لك: الأحزاب الدينية المتطرفة عند عصابة اليهود، لا، هذا تلفيق وجهل فاحش؛ لأنه لا يوجد شيء اسمه وسط والثاني متطرف، كل يهودي متطرف، وكل نصراني متطرف، وكل وثني بوذي مثلاً أو مجوسي متطرف، وهكذا كل من ليس مسلماً فهو خارج عن دائرة الاعتدال أصلاً، فهذا أحق الناس بوصف التطرف، فكل من يخرج من ملة ودائرة الإسلام فهو متطرف، وداخل دائرة الإسلام كل فرقة متطرفة ما عدا أهل السنة والجماعة، الذين هم على ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

جميع الفرق إما في غلو وإما في جفاء، أخذوا بالأطراف، فالخوارج -مثلاً- على أحد الطرفين من الغلو والجور والإفراط، فيكفرون أهل المعاصي، ويعتقدون بخلودهم في النار، وعلى الجهة المقابلة المرجئة، يقولون: الإيمان هو المعرفة ولا يزيد ولا ينقص ولا نفاق ولا يضر مع الإيمان شيء.

كذلك في مسألة القدر القدرية والجبرية على طرفي نقيض، وهكذا في عامة مسائل الدين مثل مسألة الموقف من الصحابة، نجد المبطلة الذين يعبدون الصحابة، ونجد الطرف الآخر الشيعة الذين يسبونهم وهكذا، فكل باب من الأبواب هو قابل للغلو والجفاء، أو الإفراط والتفريط، ما عدا أهل السنة والجماعة، فهم أهل الاعتدال والتوسط والاتزان والخيرية.

ونخلص من ذلك أن أولى الناس بوصف التطرف هو الكافر، فأي كافر متطرف، ولا يوجد شيء اسمه: يهودي معتدل، ويهودي متطرف، ماذا يعني يهودي معتدل؟ كيف نقول: يهودي معتدل وهو يؤمن بأن محمداً عليه السلام افترى على الله الكذب، وأنه ادعى أن الله أوحى إليه؟ هل هذا ممكن أن يكون معتدلاً؟! هذا لا يمكن أن يوصف بالاعتدال، فكل كافر متطرف وخارج عن دائرة الإسلام والنجاة.

كذلك كل مسلم مبتدع متطرف؛ لأنه خارج عن دائرة أهل السنة والجماعة.

إذاً: كل من ليس مسلماً من أهل السنة والجماعة فهو متطرف، وما عدا ذلك فهو تلاعب بالألفاظ، فالمتبرجة هي المتطرفة؛ لأنها حادت عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر المرأة بالحجاب، فهي انحرفت وخرقت أمر النبي عليه الصلاة والسلام، وخالفت هدي بناته ونسائه والمؤمنات، فلذلك هي متطرفة لأنها متبرجة، وليس التي تستر نفسها تسمى متطرفة.

الذي يصافح النساء الأجنبيات هو المتطرف؛ لأن هدي محمد عليه السلام خير الهدي، فهذي حيدة وانحراف عن هدية، ومخالفة لأمره.

وهكذا كل مخالف للشريعة فهو الأحق بوصف التطرف، وليس أهل الحق أهل السنة والجماعة، وأسلوب التلاعب بالألفاظ، وإلباس المعاني الصحيحة ثياباً منفرة من الألفاظ المبتدعة؛ أسلوب قديم قدم تاريخ البشرية، وإلى الآن أهل الباطل يحاولون أن يأتوا بالباطل، ويلبسونه ثياباً زاهية جميلة، ويأتون بالحق، ويحاولون أن يكسونه بالألفاظ المنفرة التي تنفر من هذا الحق، كما أشار إلى هذا التلاعب بالألفاظ أحد الشعراء بقوله: تقول هذا مجاج النحل تمدحه وإن تُعب قلت ذا قيء الزنابيرِ مدحاً وذماً وما فارقت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير فنفس العسل الشهي ممكن أن ينفر الناس منه فيقال: هذا القيء الذي تتقيؤه الزنابير! ويأتي آخر فيقول: لا، هذا جنى النحل الشهي الذي فيه دواء للناس وشفاء، والحقيقة واحدة، لكن يمكن أن ينفر عنها باستعمال هذه الألفاظ، وبلا شك أن أعداء الإسلام وأعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بمصطلحاتهم المنفرة هذه، وقد نجحوا إلى حد كبير في إقامة الحواجز النفسية، وصد كثير من الناس عن دين الله وعن سبيل الله بسبب هذا الأسلوب الرخيص، وهذه الخصومة التي لا تعرف رائحة الشرف، فقد دأبوا على طعن المسلمين، والتنفير من الدين والمتدينين بوصف التطرف، وما فطن القوم أنهم إنما يريدون أن ينتهوا بهم إلى أن الإسلام نفسه هو التطرف كما صرحوا بذلك في آخر المراحل بعدما فات الأوان، وانطبع في قلوب الناس أن الإسلام هو التطرف، وأن الإسلام هو دين الإرهاب وفيه بذور الإرهاب إلى آخر هذه الأراجيف.