{كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} أي: لا شيء يغرك ويخدعك بربك الكريم، بل سعة عطاء ربك وحكمته في كرمه تدلك وتوحي إلى نفسك أنك مبعوث في يوم آت، فيه ثواب أو عقاب، وإنما الذي يقع منك أيها الإنسان هو العناد والتكذيب بيوم الدين يوم الجزاء، مع أن الله تعالى لم يترك عملاً من أعمالك إلا حفظه وأبقاه عليك حتى يوفيك جزاءه، كما قال تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} أي: رقباء يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم.
{كِرَامًا كَاتِبِينَ} أي: يكتبون ما تقولون.
{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} أي: من خير أو شر، أي: يحكونه عليكم فلا يغفلون ولا ينسون.
قال الرازي: إن الله تعالى أجرى أموره مع عباده على ما يتعاملون به فيما بينهم؛ لأن ذلك أبلغ في تقرير المعنى بينهم، ولما كان الأبلغ عندهم في المحاسبة إخراج الكتاب بالشهود عند المحاسبة، فخوطبوا بمثل هذا فيما يحاسبون به يوم القيامة: فتُخْرج لهم كتب منشورة ويُحْضر بذلك ملائكة يشهدون عليهم، كما يشهد عدول السلطان على من يعصيه ويخالف أمره، فيقولون له: أعطاك الملك كذا وكذا وفعل بك كذا وكذا، ثم قد خالفته وفعلت كذا وكذا، فكذا هاهنا والله أعلم.
يكفي أن نوجز بأن الملائكة الكرام الكاتبين هم حفظة يحفظون أعمال العباد ويدونونها، عن اليمين وعن الشمال قعيد، أما كيف يكتبون فهذا غيب لا ينبغي إدراكه ولا علم حقيقته، بل يجب أن نكل علمه إلى الله.