يقول القاضي كنعان: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، أحمده حمداً يوازي نعمه، ويكافئ مزيده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن تفسير الجلالين من أوجز التفاسير وأدقها عبارة، قال عنه في كشف الظنون: وهو مع كونه صغير الحجم كبير المعنى؛ لأنه لب لباب التفسير-يعني: خلاصة خلاصة التفاسير- لذلك اعتبره العلماء تفسيراً للمنتهين من طلبة العلم لا للمبتدئين منهم، ولا عجب في ذلك؛ فلقد تضمن تفسيراً للآيات بعبارات مختصرة موجزة اكتفى في كثير منها بالتلميح والإشارة، واعتنى مؤلفاه رحمهما الله تعالى اعتناءً كبيراً؛ ببيان وجوه القراءات والإعراب، حتى بات هذا التفسير خلاصة من خلاصات العلوم، لا يستفيد منه الفائدة المرجوة، ولا يدرك قيمته سوى طلبة العلم بين أيدي العلماء.
ولكنه مع ما فيه من فوائد لم يخل من إسرائيليات وروايات لا أصل لها، وأحاديث ضعيفة الإسناد أو موضوعة، نقلت إلى الجلالين من دون بيان ولا تنبيه، فأساءت هذه القصص والأخبار الباطلة إلى محاسن هذا التفسير ومكانته.
ومع ذلك فقد انتشر انتشاراً واسعاً؛ بسبب طباعته على هوامش المصحف الشريف، الأمر الذي دفع أكثر الراغبين في الحصول على نسخة من كتاب الله تعالى الذي بهامشه تفسير الجلالين، فتهافتت مؤسسات الطباعة والنشر على طباعته وتوزيعه بأعداد كبيرة لا تحصى، من دون تنبيه أو انتباه إلى ما فيه.
فلم نجد من بين دور النشر كافة من اعتنى بهذا التفسير كما هو الواجب حتى الآن، لا من حيث المعنى وذلك ببيان ما فيه من إسرائيليات وتفسيرات غير دقيقة؛ ليعرف القارئ وجه الصواب فلا يقع في اعتقاد باطل، أو يفهم معنىً غير صحيح لآية من كتاب الله عز وجل، ولا من حيث النص، وذلك بتحقيقه وضبطه وتحرير عبارة مؤلفيه الجلالين رحمهما الله تعالى، والغريب في الأمر أن ينتشر هذا التفسير كل هذا الانتشار، وتسمح السلطات في جميع بلاد المسلمين بتداوله، مع ما فيه من إسرائيليات وقصص باطلة وأخبار موضوعة! ثم يقول القاضي كنعان: لذلك رأيت واجباً علي بعد أن اطلعت على ما في تفسير الجلالين من فوائد مجهولة وغامضة، وما فيه بالمقابل من إسرائيليات وقصص وأقوال غير صحيحة، أن أقوم بمراجعته وقراءته على مهل، فأقبلت على العمل فيه بقراءة دقيقة وتحقيق هادئ، فتوقفت عند كل جملة غير مستقيمة المعنى فصوبتها، أو نقل غير محقق فبينت ما فيه ووجهته.