للأسف الشديد تجد الذين يمكثون أمام مباراة كرة القدم، أو التمثيلية لو صاح طفل أو حرك رجليه أو سعل أو كح أو تكلم بكلام، تراهم يسكتونه ويصمتونه وينكرون عليه، بحيث لا تفوت عليهم كلمة واحدة من المتكلم أو اللاعب، لكن لو أننا ونحن نتلو القرآن كنا بهذا الحضور وهذا الحرص على إلقاء السمع لكل كلمة تقال، لتغير حالنا تماماً مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع آيات الله، فنتذكر هذا الكلام المؤلم، ونتذكر كذلك كلمة موجعة قالها بعض السلف رحمه الله: رضينا من أحدكم أن يحافظ على دينه كما يحافظ على نعله، ولا حول ولا قوة إلا بالله! الذي يكون له نعل غالي الثمن يحتاط لهذا النعل، وإذا وضعه في مكان جعل يحرسه من أن يضيع أو يسرق، أما الدين فإنه يفرط في دينه ولا يبالي، وينتهك حرمات الله عز وجل ولا يبالي! فمما يؤسف له أننا نحتاج في هذا الزمان إلى تذكير بهذه المذكرات الموجعة المؤلمة التي تقرب المعنى إلى الأذهان، فقد ولع الناس بالتمثيليات وبمباراة كرة القدم وغير ذلك، انظر كيف يكون سلوكهم أثناء الاجتماع للتمثيلية أو الفلم أو المباريات، خاصة في اللحظات الحاسمة التي سيحرز فيها الهدف أو يفعل فيها كذا وكذا؟! استحضر كيف يكون خشوعهم وإنصاتهم! بل أحيانا ولا حول ولا قوة إلا بالله يرفعون أيديهم إلى السماء وتهتف الجماهير: يا رب! يا رب! كأنما يدعون بفتح بيت المقدس أو باستعادة فلسطين؟! ففي ساحات اللعب واللهو يستغيثون بالله سبحانه وتعالى، والمسلمون كما ترون مشردون في آفاق الأرض يعانون الويلات ويعذبون في الشيشان وغيرها، ونحن نهتم بهذه الأشياء ونقول: يا رب! يا رب! وبعضهم يصاب بالسكتة والآخر يطلق زوجته كل هذا بسبب هذه الأشياء، فالشاهد أننا نقرب المثل فقط، انظروا كيف نحن مع هذه المواقف وحالنا حينما نتلو كتاب الله تبارك وتعالى.
لنتأمل هذه الآية:((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ)) ليس المقصود أن يكون له مجرد قلب؛ لأنه ما من إنسان إلا وله قلب، لكن المقصود أن يكون له قلب يفهم به ويعي به ويعقل به؛ لأن القلب هو محل الوعي والفهم {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:٤٦].
{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}[الأعراف:١٧٩] فلما عطلوا حواسهم عن الانتفاع بها فيما خلقت لأجله صاروا كالأنعام، صم بكم عمي فهم لا يعقلون.
فهل حالنا مع القرآن ومع كلام الله يستوي مع حالنا أثناء المباريات وهذه التفاهات؟! إذاً الحال يغني عن المقال.
((أو ألقى السمع)) أي: ألقى بكل حاسة السمع، فكأنه حملها وألقاها على هذا الشيء فقط، كي يستمع إليه ولا يشتغل قلبه بغير ما يستمع له.