للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم)]

{وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} [يوسف:٦٥].

أي: وجدوا ثمن طعامهم في متاعهم، روي أن أحدهم فتح متاعه ليأخذ علفاً لدابته فرأى فضته في فم متاعه فقال لإخوته: قد ردت دراهمي وهاهي في متاعي، ثم لما وصلوا أرض كنعان وأخذوا يفرغون أوعيتهم وجد كل واحد منهم صرة دراهمه في وعائه، فاستطارت قلوبهم ودهشوا، وحمدوا عناية الله بهم.

((قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي)) أي: ماذا نبتغي وراء ذلك؟ فلا مزيد على ما فعل، فقد أكرمنا وأحسن مثوانا بإنزالنا عنده ورد الثمن علينا، والمقصود من هذه العبارة استنزال أبيهم عن رأيه كي يأذن لهم في استصحاب أخيهم.

أو من البغي بمعنى: لا نبغي في القول ولا نكذب في هذه القصة التي حكيناها لك من إحسانه الداعي إلى امتثال أمره في إحضار أخينا، أو: ما نبغي ولا ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من تجهيزنا مع أخينا.

وقرئ على الخطاب: ((يا أبانا ما تبغي)) أي: أي شيء تطلب غير هذا الدليل على صدقنا.

((هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا)) جملة مستأنفة موضحة لما دل عليه الإنكار من بلوغ اللطف غايته، كأنهم قالوا: كيف لا وهذه بضاعتنا ردت إلينا تفضلاً من حيث لا ندري؟! ((وَنَمِيرُ أَهْلَنَا)) هذا معطوف على مقدر مفهوم أي: هذه بضاعتنا ردت إلينا فنستظهر بها ونمير أهلنا إذا رجعنا إلى الملك، أي: نأتيهم بطعام، ومنه: ما عنده خير ولا مير.

((وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ)) أي: باستصحابه ((ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ)) أي: سهل على هذا الملك المحسن لسخائه، فلا يضايقنا فيه، أو المعنى: ((ذلك كيل يسير)) أي: قصير المدة، فليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحبس والتأخير، أو المعنى: ذلك الذي يكال لنا دون أخينا شيء يسير قليل، فابعث أخانا معنا حتى نتسع ونتكثر بمكيله، وقال ابن كثير: هذا من تمام الكلام وتحسينه أي: أن هذا يسير في مقابلة أخذ أخيهم ما يعدل هذا.