[تفسير قوله تعالى:(ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)]
قال تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}[الواقعة:١٣ - ١٤].
قوله:((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ)) أي: هم جماعة كثيرة من الذين سبقوا، لرسوخ إيمانهم وظهور أثرهم في أعمارهم من العمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر على الجهاد في سبيله، إلى غير ذلك من المناقب التي كانت ملكات لهؤلاء السابقين.
((وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ))، أي: من الذين جاءوا من بعدهم في الأزمنة التي حدثت فيها العبر وتبرجت الدنيا لخطابها ونسي معها سر البعثة وحكمة الدعوة، فما أقل الماشين على قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا جرم أنهم وقتئذ الغرباء لقلتهم.
يقول العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: ((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ)) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هم ثلة.
والثلة: الجماعة من الناس.
وأصلها القطعة من الشيء، ومن الثل.
وهو الكسر.
وقال الزمخشري: والثلة من الثل وهو الكسر، كما أن الأمة من الأم وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم.
يعني: جماعة متميزة قطعت من الناس وكسرت عنهم فصارت متميزة.
واعلم أن الثلة تشمل الجماعة الكثيرة، ومنه قول الشاعر: فجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد فقوله: (تيار من السيل) يدل على كثرة هذا الجيش الذي عبر عنه بالثلة.