[ذكر الأحاديث الواردة في صفة الساق وبيان مذهب السلف في ذلك]
وقد ثبت عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا، فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيبقى أهل التوحيد، فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا رباً كنا نعبده في الدنيا ولم نره.
قال: وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون نعم؟ فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ قالوا: إنه لا شبيه له.
فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجداً، وتبقى أقوامٌ ظهورهم مثل طياسي البقر)،يعني: مثل قرون البقر؛ فالذين يبقون هم الذين أظهروا الإسلام، وفيهم المنافقون، فيبقون مع الموحدين ومع المسلمين، فالعلامة التي جعل الله سبحانه وتعالى بينه وبين المؤمنين في تلك اللحظة العصيبة هي أن يكشف الرحمن عن ساقه عز وجل.
وأمثال هذه النصوص التي فيها صفات الله تبارك وتعالى لا إشكال فيها على الإطلاق؛ لأننا نسلك في ذلك منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى، وهو أننا نثبت هذه الصفات بلا كيف، أي: نجزم بأن الله سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء على الإطلاق، وأنه لا يعلم كيفية الله إلا هو سبحانه وتعالى، فهذا الوصف لا يترتب عليه أي تشبيه، وإنما الذين يحتاجون للتأويل هم الذين يقعون أولاً في التشبيه، ثم يفرون من التشبيه إلى النفي والتعطيل، فيقعون في كلا الأمرين: التشبيه والتعطيل.
أما أهل السنة فيقولون: ظاهر هذه الصفات هو ما يليق بالله.
والمخالفون يقولون: ظاهرها هو ما يليق بالمخلوقين.
ونحن نقول: بل ظاهرها هو ما يليق بالله، وحينئذٍ فلا نحتاج إلى التأويل.
فينبغي أن نسلك في هذا مسلك السلف الصالح في إثبات هذه الصفات وإمرارها على ظاهرها، مع أننا نجزم ونقطع بأن الله لا يشبهه شيء من خلقه تبارك وتعالى {ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
فحينما تحدث تلك العلامة التي يعرفها المؤمنون يخر المؤمنون سجداً لله تبارك وتعالى، ويحاول المنافقون أن يشاركوهم في ذلك، فكلما حاول أحدهم أن يسجد لله عز وجل يعود ظهره طبقاً واحداً ويحال بينه وبين السجود، ويعود ظهره مثل قرون البقر تلتوي إلى الجهة العكسية، فبدل أن تتجه أجسادهم للسجود تتجه إلى العكس.
ثم إنه إن وصلنا الآيتين: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ * يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤١ - ٤٢]، فإن العامل حينئذٍ في قوله: (يوم) هو (فليأتوا بشركائهم) أي: فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق.
وقد يكون العامل مقدراً هو (اذكر) أي: اذكر يوم يكشف عن ساق.
فالحديث فسر الآية، ومعلوم أن القاعدة أنه متى صح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في تفسير آية من القرآن الكريم فإنه يجب المصير إلى تفسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه أولى ما تفسر به الآية.
وقد روى عبد الله بن مسعود عن عمر بن الخطاب أنه قال: (إذا كان يوم القيامة قام الناس لرب العالمين أربعين عاماً شاخصة أبصارهم إلى السماء، حفاة عراة يلجمهم العرق، لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم أربعين عاماً، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس! أليس عدلاً من ربكم الذي خلقكم وصوركم وأماتكم وأحياكم ثم عبدتم غيره أن يولي كل قوم ما تولوا؟ قالوا: نعم.
قال: فيرفع لكل قوم ما كانوا يعبدون من دون الله، فيتبعونها حتى تقذفهم في النار، فيبقى المسلمون والمنافقون، فيقال لهم: ألا تذهبون؟ قد ذهب الناس.
فيقولون: حتى يأتينا ربنا.
فيقال لهم: أو تعرفونه؟ فيقولون: إن اعترف لنا عرفناه -أي أن هناك صفة معينة إذا ظهرت لنا فنحن نتحقق منها- قال: فعند ذلك يكشف عن ساق، ويتجلى لهم، فيخر من كان يعبده مخلصاً ساجداً، ويبقى المنافقون لا يستطيعون؛ كأن في ظهورهم السفافيد -جمع سفود، وهي الحديدة التي يشوى بها اللحم- فيذهب بهم إلى النار، ويدخل هؤلاء الجنة، فذلك قوله تعالى: {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} [القلم:٤٢ - ٤٣]).
وإن كان لفظ حديثي أبي موسى وابن مسعود فيها شيء من الاختلاف إلا أن الحديثين ثابتان في صحيح مسلم برواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه وغيره.
قوله تعالى: ((خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ)) أي: ذليلة متواضعة.
وهي حال.
وقوله تعالى: ((تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)) ذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم ووجوههم أشد بياضاً من الثلج، وتسود وجوه المنافقين والكافرين حتى ترجع أشد سواداً من القار.