قال العلامة الشنقيطي في تفسير هذه الآية الكريمة:((حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا)): قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وأبو عمر وهشام عن ابن عامر (كَرهاً) وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر (كُرهاً) بضم الكاف في الموضعين، وهما لغتان كالضُعف والضَعف، و (حملته كَرهاً أو كُرهاً) معناه: أنها في حال حملها به تلاقي مشقة شديدة، ومن المعلوم أن ما تلاقيه الحامل من المشقة والضعف إذا أثقلت وكبر الجنين في بطنها يكون كبيراً، ومعنى وضعته كرهاً: أنها في حالة وضع الولد تلاقي من ألم الطلق وكربه مشقة شديدة كما هو معلوم، وهذه المشاق العظيمة التي تلاقيها الأم في حمل الولد ووضعه، لا شك أنه يعظم حقها بها، ويتحتم برها والإحسان إليها كما لا يخفى، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من المشقة التي تعانيها الحامل دلت عليه آية أخرى، وهي قوله تعالى في سورة لقمان:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}[لقمان:١٤]، أي: ضعفاً على ضعف؛ لأن الحمل كلما تزايد وعظم في بطنها ازدادت ضعفاً على ضعف.
وقوله هنا (كرهاً) في الموضعين مصدر منكر، وتعرب: كرهاً على أنها حال مع أنه نكرة، ومجيء المصدر المنكر حالاً كثير، كما أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله: ومصدر منكر حالاً يقع بكثرة كبغتة زيد طلع وقال بعضهم: كرهاً في الموضعين: نعت لمصدر، أي: حملته حملاً ذا كره، ووضعته وضعاً ذا كره، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى:((وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا))، هذه الآية الكريمة ليس فيها بانفرادها تعرض لبيان أقل مدة الحمل، ولكن بضميمة بعض الآيات الأخرى إليها يعلم أقل أمد الحمل؛ لأن هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف صرحت بأن أمد الحمل والفصال معاً ثلاثون شهراً، فيكون مجموع الحمل مع الفصال ثلاثين شهراً، وقوله تعالى في سورة لقمان:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}[لقمان:١٤]، وكذلك قوله في سورة البقرة:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}[البقرة:٢٣٣]، ليبين أن أمد الفطام عامان، وهما أربعة وعشرون شهراً، فإذا طرحتها من الثلاثين بقيت ستة أشهر، فتعين كونها أمداً للحمل وهي أقله، ولا خلاف في ذلك بين العلماء، ودلالة هذه الآية على أن الستة الأشهر أمد للحمل هي المعروفة عند علماء الأصول بدلالة الإشارة.
فالحمل إما تسعة أشهر وأقله ستة أشهر، أما الرضاع فأربعة وعشرون شهراً، فحمله وفصاله (٩أشهر+٢٤شهر=٣٣شهراً) أو حمله وفصاله (٦+٢٤=٣٠)، كما في هذه السورة، إذاً ستة أشهر هي أقل مدة الحمل.