[وقفة مع ضوابط كلام المرأة الأجنبية مع الرجل الأجنبي]
قوله تعالى:((وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)) فيه حسن أدب المرأة عند خطاب الرجال واقتصارها من الكلام على ما يتأدى به الحاجة، فإنها حذفت المبتدأ ولم تقل: أنا عجوز عقيم.
نحن في الحقيقة بصفتنا مسلمين نفترق تماماً عن غيرنا ممن ارتضوا مناهج أحفاد القردة والخنازير وعبدة الطاغوت من اليهود والنصارى والكفار، مما يسمونها: آداب التعامل أو (الإتكيت) أو كذا أو كذا، فعندهم أن على المرأة أن تكون لطيفة ورقيقة ومهذبة، بحيث تكلم الرجل بميوعة وبخضوع قول وغير ذلك؛ حتى تكون امرأة متحضرة.
نقول: نحن لا نريد هذه الحضارة؛ لأن المرأة المسلمة إذا خاطبت الرجال الأجانب ينبغي أن تتكلم معهم بحزم وخشونة، وأن تختصر وتقتصر على الكلام الذي تحتاج إليه.
أي: إن كانت الحاجة تقضى بثلاث كلمات فلا يجوز لها أن تجعلها خمس كلمات مثلاً، بل تقتصر فقط على مقدار ما تحتاج من الكلام، أما المقاولة والمحاورة فهذا يخرجها من آداب الإسلام، ويفتح أبواب الشيطان على مصارعه، والحوار في الهواتف مع رجل أجنبي في أي حاجة لابد أن تقتصر المرأة فيه على الكلام الجاد والمختصر جداً الذي تؤدى به الحاجة؛ لأن مقصود الشريعة أن تبني علاقة الرجال والنساء الأجانب عنهن على أساس نظام الأسلاك الشائكة، وأن هنا منطقة محظورة فيها الاختلاط إلا بضوابط معينة في المخاطبة أو الكلام إلى آخره، حيث لا خلوة، ولا خضوع في القول.
فأي بلية حصلت في الوجود بين رجل وامرأة إذا تتبعت الخيوط الأولى التي أنتجت هذه البلية ستجدها ثغرة حصلت في الأسلاك الشائكة، ومنها نفذ الشيطان وعبر، لكن متى ما حصلت على نظام الأسلاك الشائكة بين النساء والرجال الأجانب عنهن كانت السلامة من الفتن ومن البلاء، فالمرأة مع الرجال تقتصر على قدر الحاجة، أما أن يستنطقها الرجال أو أن يقولوا: إنها مهذبة وإنها كذا فهذا يتصادم مع مقاصد الشريعة.
وقد تكلمنا من قبل على قصة ذلك الرجل الذي وجد أخته تلبس ثياباً قاتمة داكنة اللون ساترة فقال لها: من رآك في هذا ينفر منك، فكان الجواب أن هذا هو المقصود.
أما أن المرأة المسلمة تلبس الملابس المتناسقة والألوان المتجانسة والتي تشرح صدر من يراها فليس هذا هو مقصود الحجاب، إنما نقصد بالحجاب أن نعمق نظام الأسلاك الشائكة بين النساء الأجانب وبين الرجال الذين ليسوا بمحارم، فهذا هو المطلوب أن الرجل ينفر إذا رأى المرأة وليس أن تجذب نظره إليها، ولا أن تتزين بثياب فيها تناسق وألوان متجانسة، وإنما يكون هذا في البيت أمام المحارم أو أمام زوجها، أما أنها تتأنق في مظهرها وتتزين حتى تكون لطيفة ومهذبة وتريح عين الناظرين وتشرح صدورهم، فهذا مما يتصادم مع الحكمة التي من أجلها شرع الحجاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}[النور:٣١] فالحجاب جعل من أجل ستر الزينة، فهل يعقل أن يكون هو نفسه زينة؟! هو ما شرع إلا ليستر الزينة، سواء كانت الزينة الطبيعية أو الزينة المكتسبة، فكلاهما يستران، فلو افترضنا امرأة لبست ثياباً فضفاضة جداً مثل جلباب، لكن لونه أصفر مثلاً وفيه الورود والزينة والزخارف وكذا، هل هذا حجاب؟ لا، هذه صورة من صور التبرج؛ لأنه افتقد أحد شروط الحجاب، وهو ألا يكون الحجاب زينة في نفسه، سواء في نوع القماش أو طريقة التفصيل أو في ألوانه أو الأشياء الملحقة به من الزينة وهذه الأشياء، فلتتق الله النساء وليتذكرن أن الحجاب إنما شرع ليستر الزينة، فمن ثم لا يقبل أبداً أن يكون هو نفسه زينة؛ لأن هذا لا يكون حجاباً، بل هو صورة من صور التبرج.