[أسباب عدم تفسير المحقق للقرآن وتوجهه لتحقيق الجلالين]
بعض الناس قد يقول: لماذا بذل المحقق هذا الجهد الجليل في تصحيح ومراجعة تفسير الجلالين؟ فهلا وضع تفسيراً مستقلاً من البداية؟! قال كنعان: لم أرغب في ذلك لسببين: أولهما: قصور باعنا في هذا الفن، وتهيبنا الخوض في لجته؛ خوفاً من الوقوع في عثرات خطيرة كما فعل بعض المعاصرين الذين استهونوا هذا الشأن، فشت بهم الفكر، وعثرت أقلامهم عثرات جسام لا عذر لهم فيها، ولا مبرر يعفيهم من عقابها وعواقبها.
فهو لا يرى من قدر نفسه أنه يستطيع أن يستبد بتصنيف كتاب مستقل في تفسير كلام الله تبارك وتعالى كما سهل ذلك على غيره ممن تسنم هذه الذروة دون أن يتأهل لها، وبالتالي تخبط وصدر منه تعد على كلام الله، وعلى معاني كتاب الله تبارك وتعالى.
يقول كنعان: من ذلك قول أحدهم في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:٢٥٦]: ولكنه رغم ذلك ترك للناس حرية اختيار الإله الذي يرضونه مصدراً لنظام حياتهم! انظر كيف فهم معنى: (لا إكراه في الدين)! فجعل معناها أن الله سبحانه وتعالى ترك للناس حرية اختيار الإله الذي يرضونه مصدراًَ لنظام حياتهم، بل ترك لهم حرية الكفر والإلحاد في الله تبارك وتعالى، ولكل إنسان أن يختار الإله الذي يعجبه! هذا الكلام فيه هدم للإسلام، وكل دين الإسلام يتحطم بمثل هذا التفسير المنحرف، وهذا عدوان على كتاب الله وليس تفسيراً لكتاب الله تبارك وتعالى.
هذا نموذج من نماذج التحريف الشديد في كلام الله، ومثله ما حصل من بعض المعاصرين أيضاً مثلاً في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٦٢] يقول: كل هؤلاء يمكن أن يدخلوا الجنة! واستدل بهذه الآية على أن الأديان كلها سواسية، فما دام أن اليهودي أو النصراني يؤمن بالله واليوم الآخر فقد يدخل الجنة! ثم يقول كنعان: وكأنه هو المفسر الذي لم يفسر قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال:٣٩].
(فتنة) يعني: شرك، والمعنى حتى لا يبقى في الأرض شرك.
وإعراب (فتنة) فاعل، ولفظة (تكون) هنا تامة وليست ناقصة أو ناسخة، ففتنة فاعل لتكون.
ومعناها: أي حاربوا المشركين حتى لا يبقى على وجه الأرض شرك، وهذا هو الهدف الأسمى من رسالة الإسلام، ومن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى.
يقول أيضاً: ومن هذه النماذج تفسير أحدهم الأكل من الشجرة في قوله تعالى: {وَكُلا مِنْهَا} [البقرة:٣٥] بقوله: إن الأكل هو العلاقة الزوجية بين آدم وحواء عليهما السلام من وطء وغيره، فهذا هو المقصود بالأكل من الشجرة! إلى غير ذلك من الأقوال التي قيلت بدافع من التسرع والعجلة وعدم التحقيق، وأحياناً بدافع التشوف إلى التجديد، وإنه لمنزلق خطير.
يقول: فلم أشأ أن أنشئ تفسيراً جديداً؛ لأن تفاسير القرآن الكريم كثيرة جداً ولله الحمد، وقد أخذ بعضها عن بعض، بل الذي ينقصنا هو القراءة الدقيقة الواعية لتلك التفاسير، والرجوع في فهم النص القرآني إلى مصادره الموثوقة؛ لكي لا يقول أحد في كتاب الله برأيه.
إذاً: هذا هو السبب الأول الذي منع المحقق من تصنيف مصنف مستقل في التفسير.
السبب الثاني: يقول: إن أي تفسير جديد لم يحقق الغاية التي نسعى إليها ألا وهي تبصير المسلمين بكتاب الله تعالى، ومساعدتهم على فهم آياته، وتنبيههم إلى ما في هذا التفسير وأمثاله من روايات وأقوال لا يجوز اعتقاد مضمونها؛ لأن التفسير الجديد لن ينتشر بين أيدي الناس على النحو الذي بلغه تفسير الجلالين، من حيث الشهرة وثقة الناس فيه.
فمهما ألف معاصر في التفسير فهل سيقبل عليه الناس كإقبالهم على تفسير الجلالين؟ لا، إذاً نستثمر شهرة هذا التفسير، وإقبال الناس عليه، بأن نقوم بتصحيحه، فنستفيد مما فيه، ونتجنب ما فيه من الأخطاء.
قال كنعان: فلدينا عدد من التفاسير الحديثة لا يعرفها أكثر الناس، فيكون إصلاح هذا التفسير الواسع الانتشار مع إبقائه على نحو ما هو عليه الآن بهامش المصحف الشريف أكثر فائدة وأعم نفعاً، بل نراه واجباً وجوب كفاية، لذلك قمنا بهذا الواجب بفضل الله تعالى وتوفيقه.