[أقوال المتقدمين من أهل التفسير في قوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم]
يقول الحافظ ابن كثير: قال تعالى: (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا).
هؤلاء في الصورة الظاهرة كمن تقدمهم، ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء المذكورين قوم منافقون يظهرون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه الإسلام؛ ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم، ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة:١٤].
وعن مجاهد: أنها نزلت في قوم من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.
وقال الأكثرون من المفسرين: في الآية دلالة على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم، ونظيره قوله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:٨]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة:١٩٠] فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.
يقول السيوطي رحمه الله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم) بإظهار الإيمان عندكم.
(ويأمنوا قومهم) بالكفر إذا رجعوا إليهم، وهم بنو أسد وغطفان.
(كلما ردوا إلى الفتنة) دعوا إلى الشرك.
(أركسوا فيها) يعني: وقعوا أشد وقوع.
(فإن لم يعتزلوكم) بترك قتالكم.
(ويلقوا) ولم يلقوا إليكم السلم.
(ويكفوا أيديهم) عنكم.
(فخذوهم) بالأسر.
(واقتلوهم حيث ثقفتموهم) وجدتموهم.
(وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً) برهاناً بيناً ظاهراً على قتلهم وسبيهم؛ لغدرهم.