[مساومة عتبة بن ربيعة للنبي صلى الله عليه وسلم على ترك دينه]
وذكر أن قريشاً اجتمعوا في الحطيم، فخطبهم عتبة بن ربيعة فقال: إن هذا ابن عبد المطلب قد نغص علينا عيشنا، وفرق جماعتنا، وبدد شملنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا.
وكان في القوم وليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، والنضر بن الحارث، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأمية، وأبي ابنا خلف، في جماعة من صناديد قريش، فقالوا له: قل ما شئت فإنا نطيعك.
قال: سأقوم فأكلمه، فإن هو رجع عن كلامه وعما يدعو إليه وإلا رأينا فيه رأينا.
فقالوا له: شأنك يا أبا عبد شمس! فقام وتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده، فقال: أنعم صباحاً يا محمد.
فقال: يا أبا عبد شمس! إن الله قد أبدلنا بهذا السلام تحية أهل الجنة.
قال: يا ابن أخي! إني قد جئتك من عند صناديد قريش لأعرض عليك أمورهم إن أنت قبلتها فلك الحظ فيها، ولنا فيها الفسحة، ثم قال: يا ابن عبد المطلب! أنا زعيم قريش فيما قالت.
قال: قل.
قال: يا ابن عبد المطلب! إنك دعوت العرب إلى أمر لا يعرفونه، فاقبل مني ما أقول لك، قال: قل.
قال: إن كان ما تدعو إليه تطلب به ملكاً فإننا نملكك علينا من غير تعب ونتوجك، فارض عن ذلك.
فسكت، ثم قال: وإن كان ما تدعو إليه أمراً تريد به امرأة حسناء فنحن نزوجك.
فقال: (لا قوة إلا بالله)، ثم قال له: وإن كان ما تتكلم به تريد مالاً أعطيناك من الأموال حتى تكون أغنى رجل في قريش، فإن ذلك أهون علينا من تشتت كلمتنا وتفريق جماعتنا، وإن كان ما تدعو إليه جنوناً داويناك كما داوت قيس بني ثعلبة مجنونهم.
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! ما تقول؟ وبم أرجع إلى قريش؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ({حم * تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [فصلت:١ - ٤] حتى بلغ إلى قوله: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:١٣])، قال عتبة: فلما تكلم بهذا الكلام فكأن الكعبة مالت حتى خفت أن تمس رأسي من ارتعادها.
وقام فزعاً يجر رداءه، فرجع إلى قريش وهو ينتفض انتفاض العصفور، وقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فقالت قريش: لقد ذهبت من عندنا نشيطاً ورجعت فزعاً مرعوباً، فما وراءك؟! قال: ويحكم! دعوني، إنه كلمني بكلام لا أدري منه شيئاً، ولقد رعدت عليّ الرعدة حتى خفت على نفسي، وقلت: الصاعقة قد أخذتني.
فندموا على ذلك.