[تفسير قوله تعالى:(ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون)]
ثم قال عز وجل:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:١٣٢].
قوله:(ولكل) أي: من المكلفين.
وقوله:(درجات) أي: مراتب.
وقوله:(مما عملوا) أي: من أعمالهم، يبلغونها ويثابون بها، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً، واستدل بها -على هذا التأويل- على أن الجن يدخلون الجنة ويثابون، وهذه المسألة محل خلاف؛ لأن بعض العلماء يذهبون إلى أن مؤمني الجن ثوابهم أن لا يعذبوا، لكن الظاهر -والله تعالى أعلم- أن مؤمني الجن يدخلون الجنة مثل مؤمني الإنس، ودليل ذلك في سورة الرحمن، ففي سورة الرحمن الخطاب موجه إلى الجن والإنس، وذلك في قوله تعالى:((يا معشر الجن والإنس)) وكذلك في آيات: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فالخطاب في سورة الرحمن كلها متوجه إلى الجن وإلى الإنس، كقوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}[الرحمن:٤٦ - ٤٧] وغير ذلك من الآيات التي تدل على أن الجنة نعيم يستحقه مؤمنوا الجن ومؤمنوا الإنس أيضاً.
ومما يدل على صحة هذا المذهب -أيضاً- قوله تبارك وتعالى هنا:((وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)) على أساس أن قوله: (لكل) يعني: لكل فريق من الجن والإنس (درجات مما عملوا) يعني أن مؤمني الجن يستحقون درجات الجنة تبعاً لأعمالهم.
قال ابن كثير: ويحتمل أن يعود قوله: (ولكل درجات مما عملوا) لكافري الجن والإنس.
يعني: ولكل واحد درجة في النار بحسبه، كقوله:{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل:٨٨].