قوله تعالى:(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ) أي: مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) عاشوا ثم ماتوا ومضوا، فكذلك هو أيضاً أدى رسالته ثم مضى، فهو يمضي مثلهم، وليس بإله كما زعموا، وإلا لما مضى؛ فإن الإله لا يغيب ولا يمضي، فهذا فيما يتعلق بالمسيح عليه السلام.
(وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) هذه مبالغة، يعني: مبالغة في الصدق (كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ) يعني: كغيرهما من الحيوانات، وهذا الكلام للسيوطي، والأفضل أن يقول: كغيرهما من الكائنات الحية التي تتغذى من الطعام.
ومن كان كذلك لا يكون إلهاً لتركيبه وضعفه، فإذا كان المخلوق يريد أن يأكل ويشرب فمعنى ذلك أنه محتاج إلى الطعام، فإذا جاع يتألم، ويحتاج إلى أن يأكل، وإذا أكل لا يستطيع أن يستبقي فضلات الطعام داخل جسمه، فيحتاج إلى الإخراج، فهل الذي يحتاج إلى هذا يكون إلهاً؟! فلذلك يقول تبارك وتعالى:((مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ)) فمن كان كذلك لا يكون إلهاً لتركيبه وضعفه، فهو مركب من أجزاء، مركب من رأس ومعدة وأمعاء وغير ذلك، فالإله ينزه عن التركيب في ذاته، وينزه عن التركيب في شخص ما أنه يكون واحداً لا متعدداً، والواحد نفسه غير مركب من أجزاء؛ لأن التركيب من أجزاء يقتضي الافتقار.
(انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ) أي: انظر متعجباً كيف نبين لهم الآيات على وحدانيتنا (ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يعني: كيف يصرفون عن الحق مع قيام البرهان؟!