(قالوا أجئتنا لتأفكنا)، أي: جئتنا لتصرفنا عن آلهتنا.
وقيل:(لتأفكنا) أي: لتزيلنا أو لتمنعنا أو لتصرفنا، وكلها معان متقاربة (فأتنا بما تعدنا) من العذاب.
وهذه الآية فيها دليل على أن الوعد قد يطلق ويوضع موضع الوعيد؛ لأنه قال هنا:(فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين) يعني: في وعدك لنا به، أو:(إن كنت من الصادقين) في أنك نبي، وهذا استعجال منهم بعذاب الله وعقوبته على سبيل استبعادهم وقوعه، كقول الله سبحانه وتعالى:{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا}[الشورى:١٨].
((قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ)) أي: إني وإن علمت إتيانه قطعاً، وإن كنت أقطع بأن العذاب آتيكم بسبب كفركم وإعراضكم، لكنني لا أعلم وقت مجيئه؛ لأن العلم بوقته عند الله سبحانه وتعالى، فيأتيكم الله به في وقته الذي قدره له.
((قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ)) أي: أنا شأني ووظيفتي فقط أن أبلغكم ((مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)) حيث بقيتم مصرين على كفركم، ولم تهتدوا لما جئتكم به، بل اقترحتم عليّ ما ليس من وظائف الرسل، وهذا الاقتراح يكشف مدى جهلهم؛ لأنهم حينما يطلبون من الرسول أن يأتيهم بالعذاب؛ ويستعجلونه بإتيان العذاب؛ فهذا من جهلهم، فناسب أن يوصفوا بالجهل؛ لأن هذه ليست وظيفته هو، إنما وظيفته أن يبلغهم، أما متى يحين الأجل الذي ينزل الله فيه العذاب؟ فهذا ليس إلى الأنبياء، وإنما هو إلى الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال لهم لما قالوا:((فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)): {إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ}[الأحقاف:٢٣].
وقال الطبري: تجهلون مواضع حظوظ أنفسكم، فلا تعرفون ما عليها من المضرة بعبادتكم غير الله، وفي استعجال عذابه.